للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ظَاهِرُهُ أَنَّ ثَمَّ قَوْلًا لِلَّهِ، فَقِيلَ: قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَقُولَ لَهُمْ ذَلِكَ عَنِ اللَّهِ، وَقِيلَ: عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ. وَحُكِيَ: أَنَّ مَلَكَيْنِ صَاحَا بِهِمْ: مُوتُوا، فَمَاتُوا. وَقِيلَ: سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ ذَلِكَ فَتَوَفَّتْهُمْ، وَقِيلَ: لَا قَوْلَ هُنَاكَ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ قَابِلِيَّتِهِمُ الْمَوْتَ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَوْتِهِمْ كَمَوْتَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَالْمَعْنَى:

فَأَمَاتَهُمْ، لَكِنْ أَخْرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ الشَّخْصِ الْمَأْمُورِ بِشَيْءٍ، الْمُسْرِعِ الِامْتِثَالَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ، وَلَا امْتِنَاعٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُنْ فَيَكُونُ «١» .

وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، التَّقْدِيرُ: فَمَاتُوا، وَظَاهِرُ هَذَا الْمَوْتِ مُفَارَقَةُ الْأَرْوَاحِ الْأَجْسَادَ، فَقِيلَ: مَاتُوا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ بَعْدُ، بِدُعَاءِ حِزْقِيلَ وَقِيلَ: سَبْعَةُ أَيَّامٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الْقِصَصِ أَنَّهُ عَرِيَتْ عِظَامُهُمْ وَتَفَرَّقَتْ أَوْصَالُهُمْ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْعَادَةِ فِي ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، وَهَذَا الْمَوْتُ لَيْسَ بِمَوْتِ الْآجَالِ، بَلْ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي هَؤُلَاءِ كَمَرَضٍ وَحَادِثٍ مِمَّا يَحْدُثُ عَلَى الْبَشَرِ، كَحَالِ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ «٢» الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ هَذَا.

ثُمَّ أَحْياهُمْ العطف بثم يَدُلُّ عَلَى تَرَاخِي الْإِحْيَاءِ عَنِ الْإِمَاتَةِ، قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمْ لِيَسْتَوْفُوا آجَالَهُمْ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَحْيَاهُمْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانُوا قَوْمَ حِزْقِيلَ، فَخَرَجَ فَوَجَدَهُمْ مَوْتَى، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنِّي جَعَلْتُ حَيَاتَهُمْ إِلَيْكَ، فَقَالَ لَهُمُ: احْيَوْا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النَّبِيُّ شَمْعُونُ، وَرِيحُ الْمَوْتَى تُوجَدُ فِي أَوْلَادِهِمْ. وَقِيلَ: النَّبِيُّ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَقَالَ وَهْبٌ: اسْمُهُ شَمْوِيلُ وَهُوَ ذُو الْكِفْلِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَمَّا أُحْيُوا رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ يَعْرَقُونَ، لَكِنَّ سَحْنَةَ الْمَوْتِ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَلَا يَلْبَسُ أَحَدٌ مِنْهُمْ ثَوْبًا إِلَّا عَادَ كَفَنًا دَسِمًا، حَتَّى مَاتُوا لِآجَالِهِمُ الَّتِي كُتِبَتْ لَهُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَى إِمَاتَتِهِمْ تَذْلِيلُهُمْ تَذْلِيلًا يَجْرِي مَجْرَى الْمَوْتِ، فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ كَثْرَتُهُمْ وَتَظَاهُرُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، ثُمَّ أَعَانَهُمْ وَخَلَّصَهُمْ لِيَعْرِفُوا قُدْرَةَ اللَّهِ فِي أَنَّهُ يُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَقِيلَ: عَنَى بِالْمَوْتِ: الْجَهْلَ، وَبِالْحَيَاةِ: الْعِلْمَ، كَمَا يَحْيَا الْجَسَدُ بِالرُّوحِ.

وَأَتَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ بَيْنَ يَدَيِ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ تَشْجِيعًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وحثا على الجهاد


(١) سورة البقرة: ٢/ ١١٧، وآل عمران: ٣/ ٤٧ و ٥٩. والأنعام: ٦/ ٧٣. والنحل: ١٦/ ٤٠، ومريم: ١٩/ ٣٥، ويس: ٣٦/ ٨٣، وغافر: ٤٠/ ٦٨.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>