للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَا، قَالَ: لِأَنَّ: مَا، أَشَدُّ إِبْهَامًا مِنْ: مَنْ، إِذَا كَانَتْ: مَنْ، لِمَنْ يَعْقِلُ. وَأَصْحَابُنَا يُجِيزُونَ تَرْكِيبَ: مَنْ، مَعَ: ذَا، فِي الِاسْتِفْهَامِ وَتَصْيِرَهُمَا كَاسْمٍ وَاحِدٍ، كَمَا يُجِيزُونَ ذَلِكَ فِي: مَا، وَ: ذَا، فَيُجِيزُونَ فِي: مَنْ ذَا عِنْدَكَ، أن يكون: من وذا، بِمَنْزِلَةِ اسْمِ الِاسْتِفْهَامِ.

وَانْتَصَبَ لفظ الجلالة: بيقرض، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: عِبَادَ اللَّهِ الْمَحَاوِيجَ، أَسْنَدَ الِاسْتِقْرَاضَ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ الْمُنَزَّهُ عَنِ الْحَاجَاتِ، تَرْغِيبًا فِي الصَّدَقَةِ، كَمَا أَضَافَ الْإِحْسَانَ إِلَى الْمَرِيضِ وَالْجَائِعِ وَالْعَطْشَانِ إِلَى نَفْسِهِ تَعَالَى

فِي قَوْلِهِ، جَلَّ وَعَلَا: «يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي وَاسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي وَاسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي» . الْحَدِيثَ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ، وَالْبُخَارِيُّ.

وَانْتَصَبَ: قَرْضًا، عَلَى الْمَصْدَرِ الْجَارِي عَلَى غَيْرِ الصَّدْرِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِقْرَاضًا، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى: مَقْرُوضٍ، أَيْ: قِطْعَةً مِنَ الْمَالِ، كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ.

وَانْتَصَبَ: حَسَنًا، عَلَى أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِقَوْلِهِ: قَرْضًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ، أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ إِذَا أَعْرَبْنَا قَرْضًا مَفْعُولًا بِهِ، أَيْ: إِقْرَاضًا حَسَنًا، وَوَصْفُهُ بِالْحُسْنِ لِكَوْنِهِ طَيِّبَ النِّيَّةِ خَالِصًا لِلَّهِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ. أَوْ، لِكَوْنِهِ يَحْتَسِبُ عِنْدَ اللَّهِ ثَوَابَهُ، أَوْ: لِكَوْنِهِ جَيِّدًا كَثِيرًا، أَوْ: لِكَوْنِهِ بِلَا مَنٍّ وَلَا أَذًى، قَالَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، أَوْ: لِكَوْنِهِ لَا يَطْلُبُ بِهِ عِوَضًا، قَالَهُ سُهَيْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُشَيْرِيُّ التُّسْتَرِيُّ.

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ: فَيُضَعِّفُهُ، بِالتَّشْدِيدِ مِنْ ضَعَّفَ، وَالْبَاقُونَ: فَيُضَاعِفُهُ، مِنْ ضَاعَفَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى. وَقِيلَ: مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْمُفْرَدَاتِ.

وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ، بِنَصْبِ الْفَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى صِلَةِ الَّذِي، وَهُوَ قَوْلُهُ: يُقْرِضُ، أَوْ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، أَيْ: فَهُوَ يُضَاعِفُهُ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، لِأَنَّهُ لَا حَذْفَ فِيهِ، وَالنَّصْبُ عَلَى أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلِاسْتِفْهَامِ عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ، وَإِنْ كَانَ عَنِ الْمُقْرِضِ، فَهُوَ عَنِ الْإِقْرَاضِ فِي الْمَعْنَى فَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَيُقْرِضُ اللَّهَ أَحَدٌ فَيُضَاعِفَهُ؟

وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: الرَّفْعُ أَحْسَنُ، وَذَهَبَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ: إِذَا كَانَ الِاسْتِفْهَامُ عَنِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ الْحُكْمُ، لَا عَنِ الْحُكْمِ، فَلَا يَجُوزُ النَّصْبُ بِإِضْمَارِ أَنَّ بَعْدَ الْفَاءِ فِي الْجَوَابِ، فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَقَدْ جَاءَ

فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ»

. وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ الِاسْمِيَّةِ وَالْحَرْفِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>