فَجَاءَتْ بِهِ سَبْطَ الْعِظَامِ كَأَنَّمَا ... عِمَامَتُهُ بَيْنَ الرِّجَالِ لِوَاءُ
وَقَالَ:
بَطَلٌ كَأَنَّ ثِيَابَهُ فِي سَرْحَةٍ ... يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ لَيْسَ بِتَوْأَمِ
تَبَيَّنَ لِي أَنَّ الْقَمَاءَةَ ذِلَّةٌ ... وَأَنَّ أَعِزَّاءَ الرِّجَالِ طِيَالُهَا
وَقَالُوا فِي الْمَدْحِ: طَوِيلُ النِّجَادِ رَفِيعُ الْعِمَادِ،
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا مَاشَى الطِّوَالَ طَالَهُمْ.
قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ بَعْدَ الْمُلْكِ، وَقَالَ وَهْبٌ، وَالسُّدِّيُّ، قَبْلَ الْمُلْكِ، فَالْمَعْنَى: وَزَادَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ بَسْطَةً، بِالسِّينِ، أَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ كَثِيرٍ، و: بالصاد نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، رِوَايَةُ النقاش، وزرعان، والشموني. وَزَادَ: لَئِنْ بَصَطْتَ، وَبِبَاصِطٍ، وَكَبَاصِطٍ، وَمَبْصُوطَتَانِ، وَلَا تَبْصُطْهَا كُلَّ الْبَصْطِ، وَأَوْصَطِ، وَفَمَا اصْطَاعُوا، وَيَصْطُونَ، وَالْقِصْطَاسِ، وَرَوَى نَحْوَهُ أَبُو نَشِيطٍ عَنْ قَالُونَ.
وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ مَعْمُولِ قَوْلِ النَّبِيِّ لَهُمْ، لَمَّا عَلِمَ بُغْيَتَهُمْ فِي مَسَائِلِهِمْ وَمُجَادَلَتِهِمْ فِي الْحُجَجِ الَّتِي تُبْدِيهَا، أَتَمَّ كَلَامَهُ بِالْأَمْرِ الْقَطْعِيِّ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. وَلَمَّا قَالُوا: وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ فَكَانَ فِي قَوْلِهِمُ ادِّعَاءُ الْأَحَقِّيَّةِ فِي الْمُلْكِ، حَتَّى كَأَنَّ الْمُلْكَ هُوَ فِي مُلْكِهِمْ، أَضَافَ الْمُلْكَ إِلَى اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: مَلِكًا، فَالْمَلِكُ مُلْكُهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَمَا أَرَادَ، فَلَسْتُمْ بِأَحَقَّ فِيهِ، لِأَنَّهُ مُلْكُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَقِيلَ: هَاتَانِ الْجُمْلَتَانِ لَيْسَتَا دَاخِلَتَيْنِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ، بَلْ هِيَ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، جَاءَتْ لِلتَّشْدِيدِ وَالتَّقْوِيَةِ لِمَنْ يُؤْتِيهِ اللَّهُ الْمُلْكَ، أَيْ: فَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَصَرِّفَ فِي مُلْكِهِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ «١» وَخَتَمَ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ، إِذْ تَقَدَّمَ دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْمُلْكِ، وَأَنَّهُمُ الْأَغْنِيَاءُ، وَأَنَّ طَالُوتَ لَيْسَ مِنْ بَيْتِ الْمُلْكِ، وَأَنَّهُ فَقِيرٌ فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّهُ وَاسِعٌ، يُوَسِّعُ فَضْلَهُ عَلَى الْفَقِيرِ، عَلِيمٌ بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ، فَيَضَعُهُ فِيهِ وَيَخْتَارُهُ لَهُ.
وَفِي قِصَّةِ طَالُوتَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَةَ لَيْسَتْ وِرَاثَةً، لِإِنْكَارِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مَا أَنْكَرُوهُ مِنَ التَّمْلِيكِ عَلَيْهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النُّبُوَّةِ وَالْمُلْكِ، وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ مستحق بالعلم والقوّة
(١) سورة الأنبياء: ٢١/ ٢٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute