يُصْبِحَ،
وَوَرَدَ أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وَوَرَدَ أَنَّهَا مَا قُرِئَتْ فِي دَارٍ إِلَّا اهْتَجَرَتْهَا الشَّيَاطِينُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَلَا يَدْخُلُهَا سَاحِرٌ وَلَا سَاحِرَةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا
،
وَوَرَدَ أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ أَمَّنَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ وَجَارِهِ وَجَارِ جَارِهِ، وَالْأَبْيَاتِ حَوْلَهُ
وَوَرَدَ: أَنَّ سَيِّدَ الْكَلَامِ الْقُرْآنُ، وَسَيِّدَ الْقُرْآنِ الْبَقَرَةُ، وَسَيِّدَ الْبَقَرَةِ آيَةُ الْكُرْسِيِّ
، وَفُضِّلَتْ هَذَا التَّفْضِيلَ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَعْظِيمِهِ، وَذَكْرِ صِفَاتِهِ الْعُلَا، وَلَا مَذْكُورَ أَعْظَمُ مِنَ اللَّهِ، فَذِكْرُهُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ ذِكْرٍ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ: أَنَّ أَشْرَفَ الْعُلُومِ وَأَعْلَاهَا مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ عِلْمُ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ، وَلَا يُنَفِّرَنَّكَ عَنْهُ كثرة أعدائه ف:
إن الْعَرَانِينَ تَلْقَاهَا مُحَسَّدَةً انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَهْلُ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ الَّذِينَ أَشَارَ إِلَيْهِمْ هُمُ الْمُعْتَزِلَةُ، سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ بِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِهِمْ مِنْ أَبْيَاتٍ:
أَنْ أَنْصُرَ التَّوْحِيدَ وَالْعَدْلَ فِي ... كُلِّ مَقَامٍ بَاذِلًا جُهْدِي
وَهَذَا الزَّمَخْشَرِيُّ لِغُلُوِّهِ فِي مَحَبَّةِ مَذْهَبِهِ يَكَادُ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي كُلِّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكَانَهُ.
وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ فَضَّلَ بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى بَعْضٍ، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَهُ، وَفُسِّرَ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنَّهُ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ، وَفُسِّرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَصَّ عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَفْضِيلُ الْمَتْبُوعِ يُفْهَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُ التَّابِعِ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَدْ أَحْدَثُوا بَعْدَ نَبِيِّهِمْ بِدَعًا فِي أَدْيَانِهِمْ وَعَقَائِدِهِمْ، وَنَسَبُوا اللَّهَ تَعَالَى إِلَى مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، فَكَانَ مِنْهُمُ الْعَرَبُ، وَكَانُوا قَدِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً وَأَشْرَكُوا، فَصَارَ جَمِيعُ النَّاسِ الْمَبْعُوثُ إِلَيْهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ فِي شَرَائِعِهِمْ وَعَقَائِدِهِمْ، وَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ الْكَافِرِينَ هُمُ الظَّالِمُونَ، وَهُمُ الْوَاضِعُونَ الشَّيْءَ غَيْرَ مَوَاضِعِهِ، أَتَى بِهَذِهِ الْآيَةِ الْعَظِيمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى إِفْرَادِ اللَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَالْمُتَضَمِّنَةِ صِفَاتِهِ الْعُلَا مِنَ: الْحَيَاةِ، وَالِاسْتِبْدَادِ بِالْمُلْكِ، وَاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ، وَمُلْكِهِ لما في السموات وَالْأَرْضِ، وَامْتِنَاعِ الشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَسِعَةِ عِلْمِهِ، وَعَدَمِ إِحَاطَةِ أَحَدٍ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِإِرَادَتِهِ، وَبَاهِرِ مَا خَلَقَ مِنَ الْكُرْسِيِّ الْعَظِيمِ الِاتِّسَاعِ، وَوَصْفِهِ بالمبالغة الْعُلُوِّ وَالْعَظَمَةِ، إِلَى سَائِرِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَا، نَبَّهَهُمْ بِهَا عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي هِيَ مَحْضُ التَّوْحِيدِ، وَعَلَى طَرْحِ مَا سِوَاهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute