للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ: تَرْجِعُ، وَقِيلَ: الْكُرْسِيُّ السر قال الشاعر:

مالي بِأَمْرِكَ كُرْسِيٌّ أُكَاتِمُهُ ... وَلَا بِكُرْسِيِّ عِلْمِ اللَّهِ مَخْلُوقُ

وَقِيلَ: الْكُرْسِيُّ: مَلَكٌ مِنَ الملائكة يملأ السموات وَالْأَرْضَ، وَقِيلَ: قُدْرَةُ اللَّهِ، وَقِيلَ:

تَدْبِيرُ اللَّهِ، حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَالَ: هُوَ الْأَصْلُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَغْرِبِيُّ: مِنْ تَكَرَّسَ الشَّيْءُ تَرَاكَبَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَأَكْرَسْتُهُ أَنَا، قَالَ الْعَجَّاجُ:

يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْمًا مُكَرَّسًا ... قَالَ: نَعَمْ أَعْرِفُهُ وَأُكَرِّسَا

وَقَالَ آخَرُ:

نَحْنُ الْكَرَاسِيُّ لَا تُعَدُّ هَوَازَنُ ... أَمْثَالَنَا فِي النَّائِبَاتِ وَلَا الْأَشَدِّ

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحُدُهَا: أَنَّ كُرْسِيَّهُ لم يضق عن السموات وَالْأَرْضِ لِبَسْطَتِهِ وَسِعَتِهِ، وَمَا هُوَ إِلَّا تَصْوِيرٌ لِعَظَمَتِهِ وَتَخْيِيلٌ فَقَطْ، وَلَا كُرْسِيَّ ثَمَّةَ، وَلَا قُعُودَ، وَلَا قَاعِدَ، لِقَوْلِهِ: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ «١» مِنْ غَيْرِ تَصَوُّرِ قَبْضَةٍ وَطَيٍّ وَيَمِينٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ لِعَظَمَةِ شَأْنِهِ، وَتَمْثِيلٌ حِسِّيٌّ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ «٢» ؟ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ.

وَاخْتَارَ الْقَفَّالُ مَعْنَاهُ قَالَ: الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ تَصْوِيرُ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكِبْرِيَائِهِ وَتَعْزِيزِهِ، خَاطَبَ الْخَلْقَ فِي تَعْرِيفِ ذَاتِهِ بِمَا اعْتَادُوهُ فِي مُلُوكِهِمْ وَعُظَمَائِهِمْ.

وَقِيلَ: كُرْسِيُّ لُؤْلُؤٍ، طُولُ الْقَائِمَةِ سَبْعُمِائَةِ سَنَةٍ، وَطُولُ الْكُرْسِيِّ حَيْثُ لَا يَعْلَمُهُ الْعَالِمُونَ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ أَنَّ الْكُرْسِيَّ مَخْلُوقٌ عَظِيمٌ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ، وَالْعَرْشُ أَعْظَمُ مِنْهُ،

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا السموات السَّبْعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَدَرَاهِمَ سَبْعَةٍ أُلْقِيَتْ فِي تُرْسٍ» .

وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا الْكُرْسِيُّ فِي الْعَرْشِ إِلَّا كَحَلَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِيَتْ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ» .

وَهَذِهِ الْآيَةُ مُنْبِئَةٌ عَنْ عِظَمِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ. انتهى كلامه.


(١) سورة الزمر: ٣٩/ ٦٧.
(٢) سورة الأنعام: ٦/ ٩١. والحج: ٢٢/ ٧٤. والزمر: ٣٩/ ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>