للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى الطَّاغُوتِ:

الشَّيْطَانُ. قَالَهُ عُمَرُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ. أَوِ: السَّاحِرُ، قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ. أَوِ: الْكَاهِنُ، قَالَهُ جَابِرٌ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَرَفِيعٌ، وابن جريح. أَوْ: مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِمَّنْ يَرْضَى ذَلِكَ: كَفِرْعَوْنَ، وَنُمْرُوذَ، قَالَهُ الطَّبَرِيُّ. أَوِ: الْأَصْنَامُ، قَالَهُ بَعْضُهُمْ.

وَيَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا تَمْثِيلًا، لِأَنَّ الطَّاغُوتَ مَحْصُورٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْكُفْرِ بِالطَّاغُوتِ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ لِيُظْهِرَ الِاهْتِمَامَ بِوُجُوبِ الْكُفْرِ بِالطَّاغُوتِ. انْتَهَى.

وَنَاسَبَ ذَلِكَ أَيْضًا اتِّصَالُهُ بِلَفْظِ الْغَيِّ، وَلِأَنَّ الْكُفْرَ بِالطَّاغُوتِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، لِأَنَّ الْكُفْرَ بِهَا هُوَ رَفْضُهَا، وَرَفَضُ عِبَادَتِهَا، وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا لَا تَسْتَلْزِمُ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ، إِذْ قَدْ يَرْفُضُ عِبَادَتَهَا وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، لَكِنَّ الْإِيمَانَ يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ بِالطَّاغُوتِ، وَلَكِنَّهُ نَبَّهَ بِذِكْرِ الْكُفْرِ بِالطَّاغُوتِ عَلَى الِانْسِلَاخِ بِالْكُلِّيَّةِ، مِمَّا كَانَ مُشْتَبَهًا بِهِ، سَابِقًا لَهُ قَبْلَ الْإِيمَانِ، لِأَنَّ فِي النَّصِّيَّةِ عَلَيْهِ مَزِيدُ تَأْكِيدٍ عَلَى تَرْكِهِ.

وَجَوَابُ الشَّرْطِ: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ، وَأُبْرِزَ فِي صُورَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي الْمَقْرُونِ بِقَدِ الدَّالَّةِ فِي الْمَاضِي عَلَى تَحْقِيقِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ جَوَابُ الشَّرْطِ، إِشْعَارًا بِأَنَّهُ مِمَّا وَقَعَ اسْتِمْسَاكُهُ وَثَبَتَ وَذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَرْتِيبِ الْجَزَاءِ عَلَى الشَّرْطِ، وَأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ، وَ: بِالْعُرْوَةِ، متعلق باستمسك، جَعَلَ مَا تُمْسِكُ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ عُرْوَةً، وَهِيَ فِي الْأَجْرَامِ مَوْضِعُ الْإِمْسَاكِ وَشَدُّ الْأَيْدِي شَبَّهَ الْإِيمَانَ بِذَلِكَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِلْمَعْلُومِ بِالنَّظَرِ، وَالِاسْتِدْلَالِ بِالْمُشَاهَدِ الْمَحْسُوسِ، حَتَّى يَتَصَوَّرَهُ السَّامِعُ كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ، فَيَحْكُمُ اعْتِقَادُهُ وَالتَّيَقُّنُ.

وَالْمُشَبَّهُ بِالْعُرْوَةِ الْإِيمَانُ، قَالَهُ: مُجَاهِدٌ. أَوِ: الْإِسْلَامُ قَالَهُ السُّدِّيُّ أَوْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَالضَّحَّاكُ، أَوِ: الْقُرْآنُ، قَالَهُ السُّدِّيُّ أَيْضًا، أَوِ: السُّنَّةُ، أَوِ:

التَّوْفِيقُ. أَوِ: الْعَهْدُ الْوَثِيقُ. أَوِ: السَّبَبُ الْمُوَصِّلُ إِلَى رِضَا اللَّهِ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ.

لَا انْفِصامَ لَها لَا انْكِسَارَ لَهَا وَلَا انْقِطَاعَ، قَالَ الْفَرَّاءُ: الِانْفِصَامُ وَالِانْقِصَامُ هُمَا لُغَتَانِ، وَبِالْفَاءِ أَفْصَحُ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ: الْفَصْمُ انْكِسَارٌ بِغَيْرِ بَيْنُونَةٍ، وَالْقَصْمُ انْكِسَارٌ بِبَيْنُونَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>