للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَاتِفٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: جِبْرِيلُ، وَقِيلَ: نَبِيٌّ، وَقِيلَ: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ شَاهَدَهُ حِينَ مَاتَ وَعَمَّرَ إِلَى حِينِ إِحْيَائِهِ.

وَعَلَى اخْتِيَارِ الزَّمَخْشَرِيِّ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الْبَعْثِ كَافِرًا، فَلِذَلِكَ سَاغَ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ.

انْتَهَى. وَلَا نَصَّ فِي الْآيَةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَهُ شِفَاهًا.

وَ: كَمْ، ظَرْفٌ، أَيْ: كَمْ مُدَّةً لَبِثْتَ؟ أَيْ: لَبِثْتَ مَيِّتًا وَهُوَ سُؤَالٌ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيرِ.

قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ: أَمَاتَهُ اللَّهُ غَدْوَةَ يَوْمٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ، فَقَالَ: قَبْلَ النَّظَرِ إِلَى الشَّمْسِ: يَوْمًا، ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَأَى بَقِيَّةً مِنَ الشَّمْسِ، فَقَالَ: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، فَكَانَ قَوْلُهُ: يَوْمًا عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ، ثُمَّ لَمَّا تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلِ الْيَوْمَ، قَالَ أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.

وَالْأَوْلَى أَنْ لَا تَكُونَ، أَوْ، هُنَا لِلتَّرْدِيدِ، بَلْ تَكُونُ لِلْإِضْرَابِ، كَأَنَّهُ قَالَ: بَلْ بَعْضَ يَوْمٍ، لَمَّا لَاحَتْ لَهُ الشَّمْسُ أَضْرَبَ عَنِ الْإِخْبَارِ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ عَلَى طَرِيقِ الظَّنِّ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِالثَّانِي عَلَى طَرِيقِ التَّيَقُّنِ عِنْدَهُ.

وَفِي قَوْلِهِ: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُطْلِقُ لَفْظَ بَعْضٍ عَلَى أَكْثَرِ الشَّيْءِ.

قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ بَلْ، لِعَطْفِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ مَحْذُوفَةِ التَّقْدِيرِ، قَالَ: مَا لَبِثْتَ هَذِهِ الْمُدَّةَ بَلْ: لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَعَاصِمٌ بِإِظْهَارِ التَّاءِ فِي: لَبِثْتَ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِدْغَامِ، وَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ.

وَذَكَرَ تَعْيِينَ الْمُدَّةِ هُنَا فِي قَوْلِهِ: بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَعْيِينَهَا فِي قَوْلِهِ: قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا «١» وَإِنِ اشْتَرَكُوا فِي جَوَابِ: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ «٢» لِأَنَّ الْمَبْعُوثَ فِي الْبَقَرَةِ وَاحِدٌ فَانْحَصَرَتْ مُدَّةُ إِمَاتَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ، وَأُولَئِكَ مُتَفَاوِتُو اللُّبْثَ تَحْتَ الْأَرْضِ نَحْوَ مَنْ مَاتَ فِي أَوَّلِ الدُّنْيَا، وَمَنْ مَاتَ فِي آخِرِهَا، فَلَمْ يَنْحَصِرُوا تَحْتَ عَدَدٍ مَخْصُوصٍ، فَلِذَلِكَ أُدْرِجُوا تَحْتَ قَوْلِهِ: إِلَّا قَلِيلًا، لِأَنَّ مُدَّةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَيَاةِ الْآخِرَةِ قَلِيلَةٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُحِيطٌ عِلْمُهُ بِمُدَّةِ لُبْثِ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ لَاحْتِيجَ فِي عِدَّةِ ذَلِكَ إِلَى أَسْفَارٍ كثيرة.


(١) سورة المؤمنون: ٢٣/ ١١٤.
(٢) سورة الكهف: ١٨/ ١٩ والمؤمنون: ٢٣/ ١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>