للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى الْبَعْثِ إِذْ وَقَعَتِ الْإِمَاتَةُ وَالْإِحْيَاءُ فِي دَارِ الدُّنْيَا مُشَاهَدَةً.

فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: تَبَيَّنَ، مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَبَيَّنَ لَهُ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَقَرَأَ ابْنُ السميفع:

بَيَّنَ لَهُ، بِغَيْرِ تَاءٍ مَبْنِيًّا لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ الظَّاهِرُ أَنَّ تَبَيَّنَ فِعْلٌ لَازِمٌ وَالْفَاعِلُ مُضْمَرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى، وَقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ، يَعْنِي أَمْرَ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرُ مَعْنًى وَتَفْسِيرُ الْإِعْرَابِ أَنْ يُقَدِّرَ مُضْمَرًا يَعُودُ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْإِحْيَاءِ الَّتِي اسْتَغْرَبَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: لَمَّا اتَّضَحَ لَهُ عِيَانًا مَا كَانَ مُسْتَنْكِرًا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ عِنْدَهُ قَبْلَ إِعَادَتِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ أَلْزَمَ مَا لَا يَقْتَضِيهِ، وَفَسَّرَ عَلَى الْقَوْلِ الشَّاذِّ، وَالِاحْتِمَالُ الضَّعِيفُ مَا حَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ هَذَا الْقَوْلُ شَكًّا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى الْإِحْيَاءِ، وَلِذَلِكَ ضَرَبَ لَهُ الْمَثَلَ فِي نَفْسِهِ.

انْتَهَى.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَبَدَأَ بِهِ مَا نَصُّهُ: وَفَاعِلُ تَبَيَّنَ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شيء قدير، قال: أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَحُذِفِ الْأَوَّلُ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: ضَرَبَنِي وَضَرَبْتُ زَيْدًا. انْتَهَى كَلَامُهُ. فَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِعْمَالِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِعْمَالِ، لِأَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْعَامِلَيْنِ فِي هَذَا الْبَابِ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَرِكَا، وَأَدَّى ذَلِكَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ حَتَّى لَا يَكُونَ الْفَصْلُ مُعْتَبَرًا، وَيَكُونَ الْعَامِلُ الثَّانِي مَعْمُولًا لِلْأَوَّلِ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِكَ: جَاءَنِي يَضْحَكُ زَيْدٌ. فَجَعَلَ فِي جَاءَنِي ضَمِيرًا أَوْ فِي يَضْحَكُ، حَتَّى لَا يَكُونَ هَذَا الْفِعْلُ فَاصِلًا، وَلَا يَرُدَّ عَلَى هَذَا جَعْلُهُمْ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً «١» ولا هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ «٢» وَلَا تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ «٣» وَلَا يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ «٤» مِنَ الْإِعْمَالِ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَوَامِلَ مُشْتَرِكَةٌ بِوَجْهٍ مَا مِنْ وُجُوهِ الِاشْتِرَاكِ، وَلَمْ يَحْصُلِ الِاشْتِرَاكُ فِي الْعَطْفِ وَلَا الْعَمَلِ، وَلِتَقْرِيرِ هَذَا بَحْثٌ يُذْكَرُ فِي النَّحْوِ. فَإِذَا كَانَ عَلَى مَا نَصُّوا فَلَيْسَ العامل الثاني مشتركا بَيْنَهُ وَبَيْنَ: تَبَيَّنَ، الَّذِي هُوَ الْعَامِلُ الْأَوَّلُ بِحَرْفِ عَطْفٍ، وَلَا بِغَيْرِهِ، وَلَا هُوَ مَعْمُولٌ: لِتَبَيَّنَ، بَلْ هُوَ مَعْمُولٌ: لَقَالَ، وَقَالَ جَوَابُ، لَمَّا أَنْ قُلْنَا: إِنَّهَا حَرْفٌ وَعَامِلَةٌ فِي، لَمَّا أَنْ قُلْنَا إِنَّهَا ظَرْفٌ، وَ: تَبَيَّنَ، عَلَى هذا


(١) سورة الكهف: ١٨/ ٩٦.
(٢) سورة الحاقة: ٦٩/ ١٩.
(٣) سورة المنافقون: ٦٣/ ٥.
(٤) سورة النساء: ٤/ ١٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>