للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَارِسٍ حَبَّةٍ، أَوْ: مَثَلُ نَفَقَتِهِمْ كَحَبَّةٍ، أَوْ: مَثَلُ الْمُنْفِقِينَ وَنَفَقَتِهِمْ كَمَثَلِ حَبَّةٍ وَغَارِسِهَا.

وَجَوَّزُوا فِي: ابْتِغَاءَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. أَيْ: مُبْتَغِينَ، وَأَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ، وَكَذَلِكَ: وَتَثْبِيتًا.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ابْتِغَاءَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ، لِعَطْفِ، وَتَثْبِيتًا عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ فِي: وَتَثْبِيتًا أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ التَّثْبِيتِ.

وَقَالَ مَكِّيٌّ فِي (الْمُشْكَلِ) : كِلَاهُمَا مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا بَيَّنَّاهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَتَثْبِيِتٌ، مَصْدَرُ: ثَبَتَ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ الثواب من الله تعالى، أَيْ: وَتَثْبِيتًا وَتَحْصِيلًا مِنْ أَنْفُسِهِمُ الثَّوَابُ عَلَى تِلْكَ النَّفَقَةِ، فَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ تَثْبِيِتُ الثَّوَابِ وَتَحْصِيلُهُ مِنَ اللَّهِ حَامِلًا عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَمَنْ قَدَّرَ الْمَفْعُولَ غَيْرَ ذَلِكَ أَيْ: وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَعْمَالُهُمْ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ عَلَى أَنْ تَكُونَ: مِنْ، بِمَعْنَى: اللَّامُ، أَيْ: لِأَنْفُسِهِمْ، كَمَا تَقُولُ: فَعَلْتُ ذَلِكَ كَسْرًا مِنْ شَهْوَتِي، أَيْ: لِشَهْوَتِي، فَلَا يَتَّضِحُ فِيهِ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ. قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَابْنُ زَيْدٍ: مَعْنَاهُ وَتَيَقُّنًا، أَيْ: أَنَّ نُفُوسَهُمْ لَهَا بَصَائِرُ مُتَأَكِّدَةٌ، فَهِيَ تُثَبِّتُهُمْ عَلَى الْإِنْفَاقِ. وَيُؤَكِّدُهُ قراءة من قرأ: أو تبيينا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا: وَاحْتِسَابًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ أَيْضًا وَالضَّحَّاكُ، وَالْكَلْبِيُّ: وَتَصْدِيقًا، أَيْ: يُخْرِجُونَ الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُهُمْ.

وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو مَالِكٍ: تَحْقِيقًا فِي دِينِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: إِخْلَاصًا وَتَوْطِيدًا لِأَنْفُسِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِي نَفَقَاتِهِمْ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَمُقِرِّينَ حِينَ يُنْفِقُونَ أَنَّهَا مِمَّا يُثِيبُ اللَّهُ عَلَيْهَا.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ أَيْضًا: عَزْمًا. وَقَالَ يَمَانٌ أَيْضًا: بَصِيرَةً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ، أَيْ يَضَعُونَ صَدَقَاتِهِمْ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ يَتَثَبَّتُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ أَمْضَاهُ، وَإِنْ خَالَطَهُ شَكٌّ أَمْسَكَ.

وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ الْمِصْرِيِّينَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَتَثْبِيتًا. بِمَعْنَى: تَثَبُّتًا، فَيَكُونُ لَازِمًا.

قَالَ: وَالْمَصَادِرُ قَدْ تَخْتَلِفُ، وَيَقَعُ بَعْضُهَا مَوْقِعَ بَعْضٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا «١» أَيْ تَبَتُّلًا وَرُدَّ هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بِالْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْمَصْدَرِ نَحْوَ الْآيَةِ، أَمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَصْدَرِ مِنْ غَيْرِ بِنَائِهِ عَلَى فِعْلٍ مَذْكُورٍ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ فِعْلِهِ الَّذِي لَهُ في الأصل،


(١) سورة المزمل: ٧٣/ ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>