عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الْقَصْدُ لِلرَّدِيءِ مِنْ جُمْلَةِ مَا فِي يَدِهِ، فَيَخُصُّهُ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا إِنْفَاقُ الرَّدِيءِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، أَوْ لِمَنْ لَا يَقْصِدُهُ، فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ.
وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ. وَقِيلَ: هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ، وَقِيلَ:
الْوَاوُ لِلْحَالِ، فَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ.
قَالَ الْبَرَاءُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ فِي دُيُونِكُمْ وَحُقُوقِكُمْ عِنْدَ النَّاسِ، إِلَّا بِأَنْ تَسَاهَلُوا فِي ذَلِكَ، وَتَتْرُكُونَ مِنْ حُقُوقِكُمْ وَتَكْرَهُونَهُ وَلَا تَرْضَوْنَهُ، أَيْ: فَلَا تَفْعَلُوا مَعَ اللَّهِ مَا لَا تَرْضَوْنَهُ لِأَنْفُسِكُمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمَعْنَى: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ لَوْ وَجَدْتُمُوهُ فِي السُّوقِ يُبَاعُ إِلَّا أَنْ يُهْضَمَ لَكُمْ مِنْ ثَمَنِهِ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ.
وَقَالَ الْبَرَاءُ أَيْضًا: مَعْنَاهُ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ لَوْ أُهْدِيَ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا، أَيْ: تَسْتَحُوا مِنَ الْمُهْدِي أَنْ تقبلوا من مَا لَا حَاجَةَ لَكُمْ بِهِ، وَلَا قَدْرَ لَهُ فِي نَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الْحَرَامَ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِي مَكْرُوهِهِ.
وَالظَّاهِرُ عُمُومُ نَفِيِ الْأَخْذِ بِأَيِّ طَرِيقٍ أُخِذَ الْخَبِيثُ، مِنْ أَخْذِ حَقٍّ، أَوْ هِبَةٍ.
وَالْهَاءُ فِي: بِآخِذِيهِ، عَائِدَةٌ عَلَى الْخَبِيثِ، وَهِيَ مَجْرُورَةٌ بِالْإِضَافَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مَفْعُولَةً. قَالَ بَعْضُ الْمُعْرِبِينَ: وَالْهَاءُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ: بآخذين، وَالْهَاءُ وَالنُّونُ لَا يَجْتَمِعَانِ، لِأَنَّ النُّونَ زَائِدَةٌ، وَهَاءَ الضَّمِيرِ زَائِدَةٌ وَمُتَّصِلَةٌ كَاتِّصَالِ النُّونِ، فَهِيَ لَا تَجْتَمِعُ مَعَ الْمُضْمَرِ الْمُتَّصِلِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَخْفَشِ: أَنَّ التَّنْوِينَ وَالنُّونَ قَدْ تَسْقُطَانِ لِلَطَافَةِ الضَّمِيرِ لَا لِلْإِضَافَةِ، وَذَلِكَ فِي نَحْوِ: ضَارِبُكَ، فَالْكَافُ ضَمِيرُ نَصْبٍ، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْهَا لِلَطَافَةِ الضَّمِيرِ، وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي النَّحْوِ. وَقَدْ أَجَازَ هِشَامٌ:
ضَارَبَنْكَ، بِالتَّنْوِينِ، وَنَصْبِ الضَّمِيرِ، وَقِيَاسُهُ جَوَازُ إِثْبَاتِ النُّونِ مَعَ الضَّمِيرِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ:
هُمُ الْفَاعِلُونَ الْخَيْرَ وَالْآمِرُونَهُ وَقَوْلِهِ:
وَلَمْ يَرْتَفِقْ وَالنَّاسُ مُحْتَضِرُونَهُ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ مَوْضِعُ أَنْ نَصْبٌ أَوْ خَفْضٌ عِنْدَ مَنْ قَدَّرَهُ إِلَّا بِأَنْ تُغْمِضُوا، فُحِذَفَ الْحَرْفُ، إِذْ حَذْفُهُ جَائِزٌ مطرد، وقيل: نصب بتغمضوا، وَهُوَ مَوْضِعُ الْحَالِ، وَقَدْ