فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لُغَةً، وَقَدْ حَكَوْا تَصْرِيفَ الْكَلِمَةِ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْمَقْلُوبِ خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ، وَنُقِلَ الْقَلْبُ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَيُقَالُ: صَعَقَتْهُ وَأَصْعَقَتْهُ الصَّاعِقَةُ، إِذَا أَهْلَكَتْهُ، فَصُعِقَ: أَيْ هَلَكَ. وَالصَّاعِقَةُ أَيْضًا الْعَذَابُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَالصَّاعِقَةُ وَالصَّاقِعَةُ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ صِفَةً لِصَوْتِ الرَّعْدِ أَوْ لِلرَّعْدِ، فَتَكُونُ التَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ نَحْوَ: رَاوِيَةٌ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَصْدَرًا، كَمَا قَالُوا فِي الْكَاذِبَةِ. الْحَذَرُ، وَالْفَزَعُ، وَالْفَرَقُ، وَالْجَزَعُ، وَالْخَوْفُ: نَظَائِرُ الْمَوْتِ، عَرْضٌ يَعْقُبُ الْحَيَاةَ. وَقِيلَ: فَسَادُ بِنْيَةِ الْحَيَوَانِ، وَقِيلَ: زَوَالُ الْحَيَاةِ. الْإِحَاطَةُ: حَصْرُ الشَّيْءِ بِالْمَنْعِ لَهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَالثُّلَاثِيُّ مِنْهُ مُتَعَدٍّ، قَالُوا: حَاطَهُ، يُحُوطُهُ، حَوْطًا.
أَوْ كَصَيِّبٍ: مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ، وَحَذْفُ مُضَافَانِ، إِذِ التَّقْدِيرُ: أَوْ: كَمَثَلِ ذَوِي صَيِّبٍ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ «١» ، أَيْ كَدَوَرَانِ عَيْنِ الَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ. وَأَوْ هُنَا لِلتَّفْصِيلِ، وَكَانَ مَنْ نَظَرَ فِي حَالِهِمْ مِنْهُمْ مَنْ يُشَبِّهُهُ بِحَالِ الْمُسْتَوْقِدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشَبِّهُهُ بِحَالِ ذَوِي صَيِّبٍ، وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى كَوْنِ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ. وَأَنَّ الْمَعْنَى أَيُّهُمَا شِئْتَ مَثِّلْهُمْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ ذَهَبَ إِلَيْهِ، وَلَا إِلَى أَنَّ أَوْ لِلْإِبَاحَةِ، وَلَا إِلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ هُنَا. وَلَا إِلَى كَوْنِ أَوْ لِلشَّكِّ بِالنِّسْبَةِ للمتخاطبين، إِذْ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا إِلَى كَوْنِهَا بِمَعْنَى بَلْ، وَلَا إِلَى كَوْنِهَا لِلْإِبْهَامِ، لِأَنَّ التَّخْيِيرَ وَالْإِبَاحَةَ إِنَّمَا يَكُونَانِ فِي الْأَمْرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ. وَهَذِهِ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ صِرْفٌ. وَلِأَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، أَوْ بِمَعْنَى بَلْ، لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مُثْبِتُ ذَلِكَ مُؤَوَّلٌ، وَلِأَنَّ الشَّكَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ، أَوِ الْإِبْهَامَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ لَا مَعْنًى لَهُ هُنَا، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى الظَّاهِرُ فِيهَا كَوْنُهَا لِلتَّفْصِيلِ. وَهَذَا التَّمْثِيلُ الثَّانِي أَتَى كَاشِفًا لِحَالِهِمْ بَعْدَ كَشْفِ الْأَوَّلِ. وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ التَّفْصِيلَ وَالْإِسْهَابَ بِحَالِ الْمُنَافِقِ، وَشَبَّهَهَ فِي التَّمْثِيلِ الْأَوَّلِ بِمُسْتَوْقِدِ النَّارِ، وَإِظْهَارُهُ الْإِيمَانُ بِالْإِضَاءَةِ، وَانْقِطَاعُ جَدْوَاهُ بِذَهَابِ النُّورِ. وَشَبَّهَ فِي الثَّانِي دِينَ الْإِسْلَامِ بِالصَّيِّبِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ بِالرَّعْدِ وَالْبَرْقِ، وَمَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْإِفْزَاعِ وَالْفِتَنِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّوَاعِقِ، وَكِلَا التَّمْثِيلَيْنِ مِنَ التَّمْثِيلَاتِ الْمُفَرَّقَةُ، كَمَا شَرَحْنَاهُ.
وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّمْثِيلَاتِ الْمُرَكَّبَةِ دُونَ الْمُفَرَّقَةِ، فَلَا تَتَكَلَّفُ مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى التَّمْثِيلِ الْأَوَّلِ، فَوَصَفَ وُقُوعَ الْمُنَافِقِينَ فِي ضَلَالَتِهِمْ وما حبطوا فِيهِ مِنَ الْحَيْرَةِ وَالدَّهْشَةِ بِمَا يُكَابِدُ مَنْ طُفِئَتْ نَارُهُ بَعْدَ إِيقَادِهَا فِي
(١) سورة الأحزاب: ٣٣/ ١٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute