للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَرَبِ، وَتَنَزُّهِ اللَّهِ عَنِ الْوَجْهِ بِمَعْنَى: الْجَارِحَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نِسْبَةِ الْوَجْهِ إِلَى اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ «١» مُسْتَوْفًى، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.

وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ أَيْ: يُوَفَّرُ عَلَيْكُمْ جَزَاؤُهُ مُضَاعَفًا، وَفِي هَذَا، وَفِيمَا قَبْلَهُ، قَطْعُ عُذْرِهِمْ فِي عَدَمِ الْإِنْفَاقِ، إِذِ الَّذِي يُنْفِقُونَهُ هُوَ لَهُمْ حَيْثُ يَكُونُونَ مُحْتَاجِينَ إِلَيْهِ، فَيُوَفُّونَهُ كَامِلًا مُوَفَّرًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِنْفَاقُهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَفْضَلِهَا، وَقَدْ جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ «٢»

وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إِذَا تَصَدَّقَ الْعَبْدُ بِالصَّدَقَةِ وَقَعَتْ فِي يَدِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ السَّائِلِ، فَيُرَبِّيهَا لِأَحَدِكُمْ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلْوَهُ، أَوْ فَصِيلَهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ»

. وَالضَّمِيرُ فِي: يُوَفَّ، عَائِدٌ عَلَى: مَا، وَمَعْنَى تَوْفِيَتُهُ: إِجْزَالُ ثَوَابِهِ.

وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، الْعَامِلُ فِيهَا يُوَفَّ. وَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ لَا تُنْفِقُونَ شَيْئًا مِنْ ثَوَابِ إِنْفَاقِكُمْ.

لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُقَاتِلٌ: هُمْ أَهْلُ الصُّفَّةِ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ، وَكَانُوا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ يَتَنَاوَلُ مَنْ كَانَ بِصِفَةِ الْفَقْرِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُمْ قَوْمٌ أَصَابَتْهُمْ جِرَاحَاتٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَارُوا زَمْنَى، وَاخْتَارَ هَذَا الْكِسَائِيُّ، وَقَالَ: أُحْصِرُوا مِنَ الْمَرَضِ، وَلَوْ أَرَادَ الْحَبْسَ مِنَ الْعَدُوِّ لَقَالَ: حَصَرُوا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْإِحْصَارِ وَالْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ «٣» وَثَبَتَ مِنَ اللُّغَةِ هُنَاكَ أَنَّهُ يُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أُحْصِرَ وَحُصِرَ، وَحَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: أُحْصِرُوا مِنْ خَوْفِ الْكُفَّارِ، إِذْ أَحَاطُوا بِهِمْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْغَزْوِ، وَمَنَعَهُمُ الْفَقْرُ مِنَ الْغَزْوِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: مَنَعَهُمْ عُلُوُّ هِمَّتِهِمْ عَنْ رَفْعِ حَاجَتِهِمْ إِلَّا إِلَى اللَّهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَحْصَرَهُمُ الْجِهَادُ، لَا يَسْتَطِيعُونَ لِاشْتِغَالِهِمْ بِهِ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ لِلْكَسْبِ. انْتَهَى.

وَ: لِلْفُقَرَاءِ، فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَكَأَنَّهُ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ:

لِمَنْ هَذِهِ الصَّدَقَاتُ الْمَحْثُوثُ عَلَى فِعْلِهَا؟ فَقِيلَ: لِلْفُقَرَاءِ، أَيْ: هِيَ لِلْفُقَرَاءِ. فَبَيَّنَ مَصْرِفَ


(١) سورة البقرة: ٢/ ١١٥.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٧٦.
(٣) سورة البقرة: ٢/ ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>