وَالْبَاءُ فِي: بِاللَّيْلِ، ظَرْفِيَّةٌ، وَانْتِصَابُ: سِرًّا وَعَلَانِيَةً، عَلَى أَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ: مُسَرِّينَ وَمُعْلِنِينَ، أَوْ: عَلَى أَنَّهُمَا حَالَانِ مِنْ ضَمِيرِ الْإِنْفَاقِ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، أَوْ: نَعْتَانِ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: إِنْفَاقًا سرا، على مشهور الإغراب فِي: قُمْتُ طَوِيلًا، أَيْ قِيَامًا طَوِيلًا.
فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا فَلَا نُعِيدُهُ، وَدَخَلَتِ: الْفَاءُ فِي فَلَهُمْ، لِتَضَمُّنِ الْمَوْصُولِ مَعْنَى اسْمِ الشَّرْطِ لِعُمُومِهِ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَإِنَّمَا يُوجَدُ الشَّبَهُ، يَعْنِي بَيْنَ الْمَوْصُولِ وَاسْمِ الشَّرْطِ، إِذَا كَانَ:
الَّذِي، مَوْصُولًا بِفِعْلٍ، وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى: الَّذِي، عَامِلٌ يُغَيِّرُ مَعْنَاهُ. انْتَهَى. فَحَصَرَ الشَّبَهَ فِيمَا إِذَا كَانَ: الَّذِي، مَوْصُولًا بِفِعْلٍ، وَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ مُحَرَّرٍ، إِذْ مَا ذُكِرَ لَهُ قُيُودٌ:
أَوَّلُهَا: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالَّذِي بَلْ كُلُّ مَوْصُولٍ غَيْرُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الَّذِي بَلَا خِلَافٍ، وَفِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ خِلَافٌ، وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ الْمَنْعُ مِنْ دُخُولِ الْفَاءِ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ مَوْصُولًا بِفِعْلٍ، فَأَطْلَقَ فِي الْفِعْلِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ شَرْطُ الْفِعْلِ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِأَدَاةِ الشَّرْطِ، فَلَوْ قُلْتَ: الَّذِي يَأْتِينِي، أَوْ: لَمَّا يَأْتِينِي، أَوْ: مَا يَأْتِينِي، أَوْ: لَيْسَ يَأْتِينِي، فَلَهُ دِرْهَمٌ، لَمْ يَجُزْ لِأَدَاةِ الشَّرْطِ، لَا يُصْلِحُ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفِعْلِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الظَّرْفُ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ كَالْفِعْلِ فِي ذَلِكَ، فَمَتَى كَانَتِ الصِّلَةُ وَاحِدًا مِنْهُمَا جَازَ دُخُولُ الْفَاءِ. وَقَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى: الَّذِي، عَامِلٌ يغير معناه عِبَارَةً غَيْرَ مُخَلِّصَةٍ، لِأَنَّ الْعَامِلَ الدَّاخِلَ عَلَيْهِ كَائِنًا مَا كَانَ لَا يُغَيِّرُ مَعْنَى الْمَوْصُولِ، إِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: مَعْنَى جُمْلَةِ الِابْتِدَاءِ فِي الْمَوْصُولِ، وَخَبَرُهُ فَيُخْرِجُهُ إِلَى تَغْيِيرِ الْمَعْنَى الِابْتِدَائِيِّ مِنْ: تَمَنٍّ، أَوْ تَشْبِيهٍ، أَوْ ظَنٍّ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. لَوْ قُلْتَ: الَّذِي يَزُورُنَا فَيُحْسِنُ إِلَيْنَا لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَيْضًا لِابْنِ عَطِيَّةَ أَنْ يَذْكُرَ أَنَّ شَرْطَ دُخُولِ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا بِالصِّلَةِ، نَحْوَ مَا جَاءَ فِي الْآيَةِ، لِأَنَّ تَرَتُّبَ الْأَجْرِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْإِنْفَاقِ.
وَمَسْأَلَةُ دُخُولِ الْفَاءِ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ يَسْتَدْعِي كَلَامًا طَوِيلًا، وَفِي بَعْضِ مَسَائِلِهَا خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ، قَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ (التَّذْكِرَةِ) مِنْ تأليفنا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute