للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَمِيرًا تَقْدِيرُهُ: هُوَ، أَيْ: الْغَرِيمُ، يَدُلُّ عَلَى إِضْمَارِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ، لِأَنَّ الْمُرَابِيَ لَا بُدَّ له ممن يرابيه.

وقرىء: وَمَنْ كَانَ ذَا عُسْرَةٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ. وَحَكَى الَمَهْدَوِيُّ أَنَّ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ: فَإِنْ كَانَ، بِالْفَاءِ، فَمَنْ نَصَبَ ذَا عُسْرَةٍ أَوْ قَرَأَ معسرا، وذلك بعد: إن كَانَ، فَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الرِّبَا. وَمَنْ رَفَعَ فَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ، لِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا سِيقَتْ فِي أَهْلِ الرِّبَا، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ.

وَقِيلَ: ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْإِيسَارُ، وَأَنَّ الْعَدَمَ طَارِئٌ جَاذِبٌ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُثْبَتَ.

فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَنَظِرَةٌ، عَلَى وَزْنٍ نَبِقَةٍ. وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ: بِسُكُونِ الظَّاءِ وَهِيَ لُغَةٌ تَمِيمِيَّةٌ، يَقُولُونَ فِي: كَبَدَ كَبِدَ. وَقَرَأَ عَطَاءُ: فَنَاظِرَةٌ، عَلَى وَزْنِ: فَاعِلَةٌ وَخَرَّجَهُ الزَّجَّاجُ عَلَى أَنَّهَا مَصْدَرٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ «١» وَكَقَوْلِهِ: تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ «٢» وَكَقَوْلِهِ: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ «٣» وَقَالَ: قَرَأَ عَطَاءُ: فَنَاظِرَةٌ، بِمَعْنَى: فَصَاحِبُ الْحَقِّ نَاظِرَهُ، أَيْ: مُنْتَظِرُهُ، أَوْ:

صَاحِبُ نَظِرَتِهِ، عَلَى طَرِيقَةِ النَّسَبِ، كَقَوْلِهِمْ: مَكَانٌ عَاشِبٌ، وَبَاقِلٌ، بِمَعْنَى: ذُو عُشْبٍ وَذُو بَقْلٍ. وَعَنْهُ: فَنَاظِرَهُ، عَلَى الْأَمْرِ بِمَعْنَى: فَسَامَحَهُ بِالنَّظِرَةِ، وَبَاشَرَهُ بِهَا. انْتَهَى. وَنَقَلَهَا ابْنُ عَطِيَّةَ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: جَعَلَاهُ أَمْرًا، وَالْهَاءُ ضَمِيرُ الْغَرِيمِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: فَنَاظِرُوهُ، أَيْ:

فَأَنْتُمْ نَاظِرُوهُ. أَيْ: فَأَنْتُمْ مُنْتَظِرُوهُ.

فَهَذِهِ سِتُّ قِرَاءَاتٍ، وَمَنْ جَعَلَهُ اسْمَ مَصْدَرٍ أَوْ مَصْدَرًا فَهُوَ يَرْتَفِعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ محذوف تقديره: فَالْأَمْرُ وَالْوَاجِبُ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ نَظِرَةٌ مِنْهُ لِطَلَبِ الدَّيْنِ مِنَ الْمَدِينِ إِلَى مَيْسَرَةٍ مِنْهُ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحْدَهُ: مَيْسُرَةٍ، بِضَمِّ السِّينِ، وَالضَّمُّ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَهُوَ قَلِيلٌ كَمَقْبُرَةٍ، وَمَشْرُفَةٍ، وَمَسْرُبَةٍ. وَالْكَثِيرُ مَفْعَلَةٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى اللُّغَةِ الْكَثِيرَةِ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ نَجْدٍ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: إِلَى مَيْسُورِهِ، عَلَى وَزْنِ مَفْعُولٍ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ الْغَرِيمِ، وَهُوَ عِنْدَ الْأَخْفَشِ مَصْدَرٌ كَالْمَعْقُولِ وَالْمَجْلُودِ فِي قَوْلِهِمْ: ما له معقول


(١) سورة الواقعة: ٥٦/ ٢.
(٢) سورة القيامة: ٧٥/ ٢٥.
(٣) سورة غافر: ٤٠/ ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>