الْإِنْظَارِ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيٌّ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَالْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: وَأَنْ تَصَدَّقُوا فَالْإِنْظَارُ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الْمُطَالَبَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ الْإِنْظَارَ لِلْمُعْسِرِ وَاجِبٌ عَلَى رَبِّ الدَيْنِ، فَالْحَمْلُ عَلَى فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْلَى. وَلِأَنَّ: أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِ وَصْفِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ:
حُصُولُ الثَّنَاءِ الْجَمِيلِ فِي الدُّنْيَا وَالْأَجْرِ الْجَزِيلِ فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: نَدَبُوا إِلَى أَنْ يتصدقوا برؤوس أَمْوَالِهِمْ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَأَنْ تَصَدَّقُوا، بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي الصَّادِ، وَقَرَأَ عَاصِمٌ: تَصَدَّقُوا، بِحَذْفِ التَّاءِ. وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: تَتَصَدَّقُوا، بِتَاءَيْنِ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَالْإِدْغَامُ تَخْفِيفٌ. وَالْحَذْفُ أَكْثَرُ تَخْفِيفًا.
إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ: يُرِيدُ الْعَمَلَ، فَجَعَلَهُ مِنْ لَوَازِمَ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: تَعْلَمُونَ فَضْلَ التَّصَدُّقِ عَلَى الْإِنْظَارِ وَالْقَبْضِ، وَقِيلَ: تَعْلَمُونَ أَنَّ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ أَصْلُحُ لَكُمْ.
قِيلَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ آيَةُ الرِّبَا، قَالَهُ عُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، لأن الْجُمْهُورُ قَالُوا: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ فَقِيلَ: قَبْلَ مَوْتِهِ بِتِسْعِ لَيَالٍ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ شَيْءٌ. وَرُوِيَ: بِثَلَاثِ سَاعَاتٍ،
وَقِيلَ: عاش بعدها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا وَثَمَانِينَ يَوْمًا
. وَقِيلَ: أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا. وَقِيلَ: سَبْعَةَ أَيَّامٍ.
وَرَوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «اجْعَلُوهَا بَيْنَ آيَةِ الرِّبَا وَآيَةِ الدَّيْنِ» .
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: اجْعَلْهَا عَلَى رَأْسِ مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ آيَةً مِنَ الْبَقَرَةِ.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى: وَاتَّقُوا يَوْمًا، فِي قَوْلِهِ: وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي «١» .
وَقَرَأَ يَعْقُوبُ، وَأَبُو عَمْرٍو: تُرْجَعُونَ، مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَخَبَرُ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَقَرَأَ الْحَسَنُ: يُرْجَعُونَ، عَلَى مَعْنَى يَرْجِعُ جَمِيعُ النَّاسِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: كَانَ اللَّهُ تَعَالَى رَفَقَ بِالْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْ يُوَاجِهَهُمْ بِذِكْرِ الرَّجْعَةِ إِذْ هِيَ مِمَّا تَتَفَطَّرُ لَهُ الْقُلُوبُ، فَقَالَ لَهُمْ: وَاتَّقُوا، ثُمَّ رَجَعَ فِي ذِكْرِ الرَّجْعَةِ إِلَى الْغَيْبَةِ رِفْقًا بِهِمْ. انْتَهَى.
وَقَرَأَ أُبَيٌّ: تُرَدُّونَ، بِضَمِّ التَّاءِ، حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ:
يَرُدُّونَ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ: تصيرون. انتهى.
(١) سورة البقرة: ٢/ ٤٨.