فَيُبْنَى مِنْهُ. وَزُعِمَ أَنَّ هذا مذهب سيبويه، وتؤول قَوْلُهُ: وَأَفْعَلَ عَلَى أَنَّهُ أَفْعَلَ الَّذِي هَمْزَتُهُ لِغَيْرِ النَّقْلِ، وَمَنَ مَنَعَ ذَلِكَ مُطْلَقًا ضَبَطَ قَوْلَ سِيبَوَيْهِ. وَأَفْعَلَ عَلَى أَنَّهُ عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ، وَيَعْنِي أَنَّهُ يَكُونُ فِعْلُ التَّعَجُّبِ عَلَى أَفْعَلَ، وَبِنَاؤُهُ مِنْ: فَعَلَ وَفَعِلَ وَفَعُلَ وَعَلَى أَفْعَلَ وَحُجَجُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ مُسْتَوْفَاةٌ فِي كُتُبِ النَّحْوِ.
وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ أَقْسَطَ هُوَ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا مِنْ قَسَطَ الثُّلَاثِيِّ بِمَعْنَى عَدَلَ.
قَالَ ابْنُ السَّيِّدِ فِي (الِاقْتِضَابِ) مَا نصبه: حَكَى ابْنُ السَّكِّيتِ فِي كِتَابِ الْأَضْدَادِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: قَسَطَ جَارَ، وَقَسَطَ عَدَلَ، وَأَقْسَطَ بِالْأَلِفِ عَدَلَ لَا غَيْرَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ: قَسَطَ قُسُوطًا وَقِسْطًا، جَارَ وَعَدَلَ ضِدَّ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ شَاذًّا.
وَمَعْنَى: أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ. أَعْدَلُ فِي حُكْمِ اللَّهِ أَنْ لَا يَقَعَ التَّظَالُمُ.
وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ إِنْ كَانَ مَنْ أَقَامَ فَفِيهِ شُذُوذٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَمَنْ جَعَلَهُ مَبْنِيًّا مِنْ قَامَ بِمَعْنَى اعْتَدَلَ فَلَا شُذُوذَ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ إِنَّهُ جَائِزٌ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَقَامَ، وَقَالَ أَيْضًا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ مِنْ قَوِيِّمٍ. انْتَهَى.
وَعَدَّ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ فِي التَّعَجُّبِ مَا أَقْوَمَهُ فِي الشُّذُوذِ، وَجَعَلَهُ مَبْنِيًّا مَنِ استقام، ويتعلق: للشهادة، بأقوم، وَهُوَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مَفْعُولٌ كَمَا تَقُولُ: زِيدٌ أَضْرَبُ لِعَمْرٍو مِنْ خَالِدٍ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ هَذِهِ اللَّامِ وَالنَّصْبُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ.
وَأَضْرَبَ مِنَّا بِالسُّيُوفِ الْقَوَانِسَا وَقَدْ تُؤَوَّلُ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ أَيْ: تَضْرِبُ الْقَوَانِسَ ومعنى: أقوم لِلشَّهَادَةِ، أَثْبَتُ وَأَصَحُّ.
وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا أَيْ أَقْرَبُ لِانْتِفَاءِ الرِّيبَةِ. وَقَرَأَ السَّلْمِيُّ: أَنْ لَا يَرْتَابُوا بِالْيَاءِ، وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ، وَحَسَّنَ حذفه كونه أَفْعَلَ الَّذِي لِلتَّفْضِيلِ وَقَعَ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ، وَتَقْدِيُرُهُ: الْكَتْبُ أَقْسَطُ وَأَقْوَمُ وَأَدْنَى لِكَذَا مِنْ عَدَمِ الْكَتْبِ، وَقُدِّرَ: أَدْنَى، لِأَنْ: لَا تَرْتَابُوا، وَإِلَى أَنْ لَا تَرْتَابُوا، و: من أَنْ لَا تَرْتَابُوا. ثُمَّ حُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ فَبَقِيَ مَنْصُوبًا أَوْ مَجْرُورًا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَبَقَ.
وَنَسَقُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، إِذْ بدىء أَوَّلًا بِالْأَشْرَفِ، وَهُوَ قَوْلُهُ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ أَيْ: فِي حُكْمِ اللَّهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتْبِعَ مَا أُمِرَ بِهِ، إِذِ اتِّبَاعُهُ هُوَ مُتَعَلِّقُ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute