للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَنَسَبُهَا ابْنُ عَطِيَّةَ إلى الرؤاسي، وَنَسَبَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ إِلَى عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وَقَالَ: تَوَهَّمَ التَّحْرِيكَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَمَا هِيَ بِمَقْبُولَةٍ، يَعْنِي: هَذِهِ الْقِرَاءَةَ. انْتَهَى.

وَقَالَ غَيْرُهُ: ذَلِكَ رَدِيءٌ، لِأَنَّ الْيَاءَ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ قِرَاءَةُ جُمْهُورِ النَّاسِ. انْتَهَى.

وَقَالَ الْأَخْفَشُ: يَجُوزُ: الم اللَّهُ، بِكَسْرِ الْمِيمِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا خَطَأٌ، وَلَا تَقُولُهُ الْعَرَبُ لِثِقْلِهِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي فَتْحَةِ الْمِيمِ: فَذَهَبَ سِيبَوَيْهِ إِلَى أَنَّهَا حُرِّكَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، كَمَا حَرَّكُوا: مِنَ اللَّهِ، وَهَمْزَةُ الْوَصْلِ سَاقِطَةٌ لِلدَّرَجِ كَمَا سَقَطَتْ فِي نَحْوِ: مِنَ الرَّجُلِ، وَكَانَ الْفَتْحُ أَوْلَى مِنَ الْكَسْرِ لِأَجْلِ الْيَاءِ، كَمَا قَالُوا: أَيْنَ؟ وَكَيْفَ؟ وَلِزِيَادَةِ الْكَسْرَةِ قَبْلَ الْيَاءِ، فَزَالَ الثِّقَلُ. وَذَهَبَ الْفَرَّاءُ إِلَى أَنَّهَا حركة نقل من همزة الْوَصْلِ، لِأَنَّ حُرُوفَ الْهِجَاءِ يُنْوَى بِهَا الْوَقْفُ، فَيُنْوَى بِمَا بَعْدَهَا الِاسْتِئْنَافُ. فَكَأَنَّ الْهَمْزَةَ فِي حُكْمِ الثَّبَاتِ كَمَا فِي أَنْصَافِ الْأَبْيَاتِ نَحْوُ:

لَتَسْمَعَنَّ وَشِيكًا فِي دِيَارِكُمُ ... أَللَّهُ أَكْبَرُ: يَا ثَارَاتِ عُثْمَانَا

وَضَعُفَ هَذَا الْمَذْهَبُ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْأَلِفَ الْمَوْصُولَةَ فِي التَّعْرِيفِ تَسْقُطُ فِي الْوَصْلِ.

وَمَا يسقط يتلقى حَرَكَتُهُ، قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ. وَقَدِ اخْتَارَ مَذْهَبَ الْفَرَّاءِ فِي أَنَّ الْفَتْحَةَ فِي الْمِيمِ هِيَ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ حِينَ أُسْقِطَتْ لِلتَّخْفِيفِ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَأَوْرَدَ أَسْئِلَةً وَأَجَابَ عَنْهَا.

فَقَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ جَازَ إِلْقَاءُ حَرَكَتِهَا عَلَيْهَا وَهِيَ هَمْزَةُ وَصْلٍ لَا تَثْبُتُ فِي دَرَجِ الْكَلَامِ، فَلَا تَثْبُتُ حَرَكَتُهَا لِأَنَّ ثَبَاتَ حَرَكَتِهَا كَثَبَاتِهَا؟

قُلْتُ: لَيْسَ هَذَا بِدَرَجٍ، لِأَنَّ ميم فِي حُكْمِ الْوَقْفِ وَالسُّكُونِ، وَالْهَمْزَةَ فِي حُكْمِ الثَّابِتِ. وَإِنَّمَا حُذِفَتْ تَخْفِيفًا، وَأُلْقِيَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا لِتَدُلَّ عَلَيْهَا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: وَاحِدِ اثْنَانِ، بِإِلْقَاءِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ عَلَى الدَّالِ. انْتَهَى هَذَا السُّؤَالُ وَجَوَابُهُ. وَلَيْسَ جَوَابُهُ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ الْمِيمَ حِينَ حُرِّكَتْ مَوْقُوفَةً عَلَيْهَا. وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِدَرَجٍ، بَلْ هُوَ وَقْفٌ، وَهَذَا خِلَافٌ لِمَا أَجْمَعَتِ الْعَرَبُ وَالنُّحَاةُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى مُتَحَرِّكٍ أَلْبَتَّةَ، سَوَاءٌ كَانَتْ حَرَكَتُهُ إِعْرَابِيَّةً، أَوْ بِنَائِيَّةً، أَوْ نَقْلِيَّةً، أَوْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، أَوْ لِلْحِكَايَةِ، أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>