وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَالْكِسَائِيُّ: الْمُعَلَّمَةُ بِالشِّيَاتِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مِنَ السُّومَةِ، وَهِيَ الْعَلَامَةُ. قَالَ أَبُو طَالِبٍ:
أَمِينٌ مُحِبٌّ لِلْعِبَادِ مُسَوَّمِ ... بِخَاتَمِ رَبٍّ طَاهِرٍ لِلْخَوَاتِمِ
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: أَصْلُ ذَلِكَ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهَا صُوفَةً أَوْ عَلَامَةً تُخَالِفُ سَائِرَ جَسَدِهَا لِتَبِينَ مِنْ غَيْرِهَا فِي الْمَرْعَى: وَقَالَ ابْنُ فَارِسَ فِي (الْمُجْمَلِ) الْمُسَوَّمَةُ: هِيَ الْمُرْسَلُ عَلَيْهَا رُكْبَانُهَا.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمُعَدَّةُ لِلْجِهَادِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَرِّدِ: الْمَعْرُوفَةُ فِي الْبُلْدَانِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ:
الْبَلْقُ. وَقِيلَ: ذَوَاتُ الْأَوْضَاحِ مِنَ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ. وَقِيلَ: هِيَ الْهَمَالِيجُ.
وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعَاطِيفُ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْقَنَاطِيرُ، إِلَى آخِرِهَا.
غَيْرَ مَا أَتَى تَبْيِينًا مَعْطُوفًا عَلَى الشَّهَوَاتِ، أَيْ: وَحُبُّ الْقَنَاطِيرِ وَكَذَا وَكَذَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: مِنَ النِّسَاءِ، فَيَكُونُ مُنْدَرِجًا فِي الشَّهَوَاتِ. وَلَمْ يَجْمَعِ الْحَرْثَ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ فِي الْأَصْلِ. وَقِيلَ: يُرَادُ بِهِ الْمَفْعُولُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ «١» .
ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا أَشَارَ: بِذَلِكَ، وَهُوَ مُفْرَدٌ إِلَى الْأَشْيَاءِ السَّابِقَةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ، لِأَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ الْمَذْكُورَ، أَوِ الْمُتَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَالْمَعْنَى: تَحْقِيرُ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَالْإِشَارَةُ إِلَى فَنَائِهَا وَفَنَاءِ مَا يُسْتَمْتَعُ بِهِ فيها، وأدغم أبو عمرو في الْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ ثَاءٌ: وَالْحَرْثُ، فِي: ذَالِ: ذَلِكَ، وَاسْتُضْعِفَ لِصِحَّةِ السَّاكِنِ قَبْلَ الثَّاءِ.
وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ أَيِ: الْمَرْجِعُ، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى نَعِيمِ الْآخِرَةِ الَّذِي لَا يَفْنَى وَلَا يَنْقَطِعُ.
وَمِنْ غَرِيبِ مَا اسْتُنْبِطَ مِنَ الْأَحْكَامِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ فِيهَا دَلَالَةً عَلَى إِيجَابِ الصَّدَقَةِ فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ لِذِكْرِهَا مَعَ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ أَوِ النَّفَقَةُ، فَالنِّسَاءُ وَالْبَنُونَ فِيهِمُ النَّفَقَةُ، وَبَاقِيهَا فِيهَا الصَّدَقَةُ، قَالَهُ الْمَاتُرِيدِيُّ.
وَذَكَرُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْوَاعًا مِنَ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ: الْخِطَابُ الْعَامُّ وَيُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ فِي قَوْلِهِ: لِلَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ هُمُ الْيَهُودُ، وَهَذَا مِنْ تَلْوِينِ الْخِطَابِ.
وَالتَّجْنِيسِ الْمُغَايِرِ: في يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَالِاحْتِرَاسُ: فِي رَأْيَ الْعَيْنِ قالوا
(١) سورة البقرة: ٢/ ٧١.