للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُنَا بِالنُّبُوَّةِ أَيْضًا، وَلَا يَتَأَتَّى هَذَا التَّفْسِيرُ فِي: تَنْزِعُ الْمُلْكَ، لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُؤْتِ النُّبُوَّةَ لِأَحَدٍ ثم مِنْهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ تَنْزِعُ مَجَازًا بِمَعْنَى: تَمْنَعُ النُّبُوَّةَ مِمَّنْ تَشَاءُ، فَيُمْكِنُ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: هُوَ مُلْكُ النَّفْسِ وَمَنْعُهَا مِنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى. وَقِيلَ: الْعَافِيَةُ، وَقِيلَ:

الْقَنَاعَةُ. وَقِيلَ: الْغَلَبَةُ بِالدِّينِ وَالطَّاعَةِ. وَقِيلَ: قِيَامُ اللَّيْلِ. وَقَالَ الشِّبْلِيُّ: هُوَ الِاسْتِغْنَاءُ بِالْمُكَوِّنِ عَنِ الْكَوْنَيْنِ. وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى: هُوَ قَهْرُ إِبْلِيسَ كَمَا كَانَ يَفِرُّ مِنْ ظِلِّ عُمَرَ، وَعَكْسُهُ مَنْ كَانَ يَجْرِي الشَّيْطَانُ مِنْهُ مَجْرَى الدَّمِ. وَقِيلَ: مُلْكُ الْمَعْرِفَةِ بِلَا عِلَّةِ، كَمَا أَتَى سَحَرَةَ فِرْعَوْنَ، وَنَزَعَ مِنْ بَلْعَامَ. وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: هُوَ تَوْفِيقُ الْإِيمَانِ.

وَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْأَظْهَرِ: وَهُوَ السَّلْطَنَةُ وَالْغَلَبَةُ، وَكَوْنُ الْمُؤْتَى هُوَ الْآمِرَ الْمُتَّبَعَ، فَالَّذِي آتَاهُ الْمُلْكَ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ، وَالْمَنْزُوعُ مِنْهُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ. وَقِيلَ: الْمَنْزُوعُ مِنْهُ أَبُو جَهْلٍ وَصَنَادِيدُ قُرَيْشٍ. وَقِيلَ: الْعَرَبُ وَخُلَفَاءُ الْإِسْلَامِ وَمُلُوكُهُ، وَالْمَنْزُوعُ فَارِسُ وَالرُّومُ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْأَنْبِيَاءُ أُمِرَ النَّاسُ بِطَاعَتِهِمْ، وَالْمَنْزُوعُ مِنْهُ الْجَبَّارُونَ أُمِرَ النَّاسُ بِخِلَافِهِمْ.

وَقِيلَ: آدَمُ وَوَلَدُهُ، وَالْمَنْزُوعُ مِنْهُ إِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ. وَقِيلَ: دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْمَنْزُوعُ مِنْهُ طَالُوتُ. وَقِيلَ: صَخْرٌ، وَالْمَنْزُوعُ مِنْهُ سُلَيْمَانُ أَيَّامَ مِحْنَتِهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى تُؤْتِي الْمُلْكَ فِي الْجَنَّةِ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ مِمَّنْ تَشَاءُ. وَقِيلَ: الْمُلْكُ الْعُزْلَةُ وَالِانْقِطَاعُ، وَسَمَّوْهُ الْمُلْكَ الْمَجْهُولَ.

وَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُضْطَرِبَةٌ، وَتَخْصِيصَاتٌ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى جِهَةِ التَّمْثِيلِ لَا الْحَصْرِ فِي الْمُرَادِ.

وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ قِيلَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى الله عليه وسلم وأصحابه، حِينَ دَخَلُوا مَكَّةَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ظَاهِرِينَ عَلَيْهَا، وَأَذَلَّ أَبَا جَهْلٍ وَصَنَادِيدَ قُرَيْشٍ حَتَّى حُزَّتْ رؤوسهم وَأُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ. وَقِيلَ: بالتوفيق والعرفان، وتدل بِالْخِذْلَانِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَتُذِلُّ فَارِسَ وَالرُّومَ. وَقِيلَ: بِالطَّاعَةِ وَتُذِلُّ بِالْمَعْصِيَةِ. وَقِيلَ: بِالظَّفْرِ وَالْغَنِيمَةِ وَتُذِلُّ بِالْقَتْلِ وَالْجِزْيَةِ. وَقِيلَ: بِالْإِخْلَاصِ وَتُذِلُّ بِالرِّيَاءِ. وَقِيلَ بِالْغِنَى وَتُذِلُّ بِالْفَقْرِ. وَقِيلَ: بِالْجَنَّةِ وَالرُّؤْيَةِ وَتُذِلُّ بِالْحِجَابِ وَالنَّارِ، قَالَهُ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ. وَقِيلَ: بِقَهْرِ النَّفْسِ وَتُذِلُّ بِاتِّبَاعِ الْخِزْيِ، قَالَهُ الْوَرَّاقُ. وَقِيلَ: بِقَهْرِ الشَّيْطَانِ وَتُذِلُّ بِقَهْرِ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ، قَالَهُ الْكَتَّانِيُّ. وَقِيلَ: بِالْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا وتذل بالحرص والطمع.

وينبغي حَمْلُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ عَلَى التَّمْثِيلِ لِأَنَّهُ لَا مُخَصِّصَ فِي الْآيَةِ، بَلِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْعِزُّ وَالذُّلُّ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَلِلْمُعْتَزِلَةِ هُنَا كَلَامٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ، قَالَ الْكَعْبِيُّ: تُؤْتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>