وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ. فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ قَالَ بِيَدِكَ الْخَيْرُ فَذَكَرَ الْخَيْرَ دُونَ الشَّرِّ؟
قُلْتُ: لِأَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي الْخَيْرِ الَّذِي يَسُوقُهُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ الَّذِي أَنْكَرَتْهُ الْكَفَرَةُ، فَقَالَ: بِيَدِكَ الْخَيْرُ تُؤْتِيهِ أَوْلِيَاءَكَ عَلَى رَغْمِ أَعْدَائِكَ، وَلِأَنَّ كُلَّ أَفْعَالِ اللَّهِ مِنْ نَافِعٍ وَضَارٍّ صَادِرٌ عَنِ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ فَهُوَ خَيْرٌ كُلُّهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ، وَهُوَ يُدَافِعُ آخِرُهُ أَوَّلَهُ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي السُّؤَالِ لِمَ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْخَيْرِ دُونَ الشَّرِّ؟
وَأَجَابَ بِالْجَوَابِ الْأَوَّلِ: وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بِيَدِهِ تَعَالَى الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَإِنَّمَا كَانَ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْخَيْرِ لِأَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا وَقَعَ فِيمَا يَسُوقُهُ تَعَالَى مِنَ الْخَيْرِ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَنَاسَبَ الِاقْتِصَارَ عَلَى ذِكْرِ الْخَيْرِ فَقَطْ.
وَأَجَابَ بِالْجَوَابِ الثَّانِي: وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى جَمِيعُ أَفْعَالِهِ خَيْرٌ لَيْسَ فِيهَا شَرٌّ، وَهَذَا الْجَوَابُ يُنَاقِضُ الْأَوَّلَ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: خَصَّ الْخَيْرَ بِالذِّكْرِ، وَهُوَ تَعَالَى بِيَدِهِ كُلُّ شَيْءٌ، إِذِ الْآيَةُ فِي مَعْنَى دُعَاءٍ وَرَغْبَةٍ، فَكَانَ الْمَعْنَى: بِيَدِكَ الْخَيْرُ فَأَجْزِلْ حَظِي مِنْهُ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: لَمَّا كَانَتْ فِي الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ لَا لِلْحُكْمِ، ذَكَرَ الْخَيْرَ إِذْ هُوَ الْمَشْكُورُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الرَّازِيُّ: الْخَيْرُ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ الدَّالَّةُ عَلَى الْعُمُومِ، وَتَقْدِيمُ: بِيَدِكَ، يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ، فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا خَيْرَ إِلَّا بِيَدِهِ، وَأَفْضَلُ الْخَيْرَاتِ الْإِيمَانُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ. وَلِأَنَّ فَاعِلَ الْأَشْرَفِ أَشْرَفُ، وَالْإِيمَانُ أَشْرَفُ.
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ: الْمَعْنَى مَا يَنْتَقِصُ مِنَ النَّهَارِ يَزِيدُ فِي اللَّيْلِ، وَمَا يَنْتَقِصُ مِنَ اللَّيْلِ يَزِيدُ فِي النَّهَارِ، دَأْبًا كُلُّ فَصْلٍ مِنَ السَّنَةِ، قِيلَ: حَتَّى يَصِيرَ النَّاقِصُ تِسْعَ سَاعَاتٍ، وَالزَّائِدُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةً. وَذَكَرَ بَعْضُ مُعَاصِرِينَا: أَجْمَعَ أَرْبَابُ عِلْمِ الْهَيْئَةِ عَلَى أَنَّ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الزِّيَادَةُ مِنَ اللَّيْلِ والنهار يأخذ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ ثَلَاثِينَ دَرَجَةً، فَتَنْتَهِي زِيَادَةُ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَارِ إِلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَاعَةً، وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ.
وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْوُلُوجِ هُنَا تَغْطِيَةُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ إِذَا أَقْبَلَ، وَتَغْطِيَةُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ، إِذَا أَقْبَلَ، فَصَيْرُورَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي زَمَانِ الْآخَرِ كَالْوُلُوجِ فِيهِ، وَأَوْرَدَ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute