للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ: زَكَرِيَّا، مَقْصُورًا وَبَاقِي السَّبْعَةِ مَمْدُودًا، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ اللُّغَاتِ فِيهِ.

رُوِيَ أَنَّ حَنَّةَ حِينَ وَلَدَتْ مَرْيَمَ لَفَّتْهَا فِي خِرْقَةٍ وَحَمَلَتْهَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَضَعَتْهَا عِنْدَ الْأَحْبَارِ أَبْنَاءِ هَارُونَ، وَهُمْ فِي بيت المقدس كالحجة فِي الْكَعْبَةِ، فَقَالَتْ لَهُمْ: دُونَكُمْ هَذِهِ النَّذِيرَةُ! فَتَنَافَسُوا فِيهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ بِنْتَ إِمَامِهِمْ، وَصَاحِبِ قُرْبَانِهِمْ، وَكَانَتْ بنو ماثان رؤوس بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَحْبَارَهُمْ وَمُلُوكَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ زَكَرِيَّا: أَنَا أَحَقُّ بِهَا، عِنْدِي خَالَتُهَا. فَقَالُوا: لَا، حَتَّى نَقْتَرِعَ عَلَيْهَا. فَانْطَلَقُوا، وَكَانُوا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ، إِلَى نَهْرٍ.

قِيلَ: هُوَ نَهْرُ الْأُرْدُنْ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: فِي عَيْنِ مَاءٍ كَانَتْ هُنَاكَ، فَأَلْقَوْا فِيهِ أَقْلَامَهُمْ، فَارْتَفَعَ قَلَمُ زَكَرِيَّا وَرَسَبَتْ أَقْلَامُهُمْ فَتَكَفَّلَهَا. قِيلَ: وَاسْتَرْضَعَ لَهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَمْ تَلْتَقِمْ ثَدْيًا قَطُّ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ:

أَلْقَوْا أَقْلَامَهُمْ فَجَرَى قَلَمُ زَكَرِيَّا عَكْسَ جَرْيَةِ الْمَاءِ. وَقِيلَ: عَامَتْ مَعَ الْمَاءِ مَعْرُوضَةً، وَبَقِيَ قَلَمُ زَكَرِيَّا وَاقِفًا كَأَنَّمَا رَكَزَ فِي طِينٍ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّ زَكَرِيَّا كَانَ تَزَوَّجَ خَالَتَهَا لِأَنَّهُ وَعِمْرَانَ كَانَا سِلْفَيْنِ عَلَى أُخْتَيْنِ، وَلَدَتِ امْرَأَةُ زَكَرِيَّا يَحْيَى، وَوَلَدَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ مَرْيَمَ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ، وَغَيْرُهُ: كَانَ زَكَرِيَّا تَزَوَّجَ ابْنَةً أُخْرَى لِعِمْرَانَ. وَيُعَضِّدُ هَذَا الْقَوْلَ

قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فِي يَحْيَى وَعِيسَى: ابْنَا الْخَالَةِ.

وَقِيلَ: إِنَّمَا كَفَلَهَا لِأَنَّ أُمَّهَا هَلَكَتْ، وَكَانَ أَبُوهَا قَدْ هَلَكَ وَهِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهَا. وَقِيلَ: كَانَ زَكَرِيَّا ابْنَ عَمِّهَا وَكَانَتْ أُخْتُهَا تَحْتَهُ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: تَرَعْرَعَتْ وَأَصَابَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَجَاعَةٌ، فَقَالَ لَهُمْ زَكَرِيَّا: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ إِنْفَاقِ مَرْيَمَ، فَاقْتَرَعُوا عَلَى مَنْ يَكْفُلُهَا، فَفَعَلُوا، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ، فَجَعَلَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَهَذَا اسْتِهَامٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ، هَذَا الْمُرَادُ مِنْهُ دَفَعَهَا لِلْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَالْأَوَّلُ الْمُرَادُ مِنْهُ: أَخَذَهَا، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ زَكَرِيَّا قَدْ كَفَلَهَا مِنْ لَدُنِ الطُّفُولَةِ دُونَ اسْتِهَامٍ، وَالَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ أَنَّ زَكَرِيَّا إِنَّمَا كَفَلَهَا بِالِاسْتِهَامِ، وَلَمْ يَدُلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ غَيْرَ زَكَرِيَّا كَفَلَهَا، وَكَانَ زَكَرِيَّا أَوْلَى بِكَفَالَتِهَا، لِأَنَّهُ مِنْ أَقْرِبَائِهَا مِنْ جِهَةِ أَبِيهَا، وَلِأَنَّ خَالَتَهَا أَوْ أُخْتَهَا تَحْتَهُ، عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا، فَهُوَ أَوْلَى بِهَا لِعِصْمَتِهِ.

وَزَكَرِيَّا هُوَ ابْنُ أَذْنِ بْنِ مُسْلِمٍ مِنْ وَلَدِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وَذَكَرَ النَّقِيبُ أَبُو الْبَرَكَاتِ الْجَوَّانِيُّ النَّسَّابَةُ: أَنَّ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، وَالْيَسَعَ، وَإِلْيَاسَ، وَالْعُزَيْرَ مِنْ وَلَدِ هَارُونَ أَخِي مُوسَى، فَلَا يَكُونُ عَلَى هَذَا زَكَرِيَّا مِنْ وَلَدِ سُلَيْمَانَ، وَلَا يَكُونُ ابْنَ عَمِّ مَرْيَمَ، لِأَنَّ مَرْيَمَ مِنْ ذُرِّيَّةِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السلام، وسليمان مِنْ يَهُوذَا بْنِ يَعْقُوبَ، وموسى وهارون مِنْ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>