للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمْعُ رُمُوزٍ، كَرُسُلٍ وَرَسُولٍ، وَعَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ كَرَمْزٍ جَاءَ عَلَى فِعْلٍ، وَأَتْبَعَتِ الْعَيْنُ الْفَاءَ كَالْيُسْرِ وَالْيُسُرِ.

وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: رَمَزًا، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ، وَخُرِّجَ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ رَامِزٍ، كَخَادِمٍ وَخَدَمٍ، وَانْتِصَابُهُ إِذَا كَانَ جَمْعًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الْفَاعِلِ، وَهُوَ الضَّمِيرُ فِي تُكَلِّمَ، وَمِنَ الْمَفْعُولِ وَهُوَ:

النَّاسُ. كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

فَلَئِنْ لَقِيتُكَ خَالِيَيْنِ لَتَعْلَمَنَّ ... أَيِّي وَأَيُّكَ فَارِسُ الْأَحْزَابِ

أَيْ: إِلَّا مُتَرَامِزِينَ كَمَا يُكَلِّمُ الْأَخْرَسُ النَّاسَ وَيُكَلِّمُونَهُ.

وَفِي قَوْلِهِ: إِلَّا رَمْزاً دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ السُّنَّةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَيْنَ اللَّهُ» . فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» .

فَأَجَازَ الْإِسْلَامُ بِالْإِشَارَةِ وَهُوَ أَصْلُ الدِّيَانَةِ الَّتِي تَحْقِنُ الدَّمَ وَتَحْفَظُ الْمَالَ وَتُدْخِلُ الْجَنَّةَ، فَتَكُونُ الْإِشَارَةُ عَامَّةً فِي جَمِيعِ الدِّيَانَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ.

وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً قِيلَ: الذِّكْرُ هُنَا هُوَ بِالْقَلْبِ، لِأَنَّهُ مُنِعَ مِنَ الْكَلَامِ. وَقِيلَ:

بِاللِّسَانِ لِأَنَّهُ مُنِعَ مِنَ الْكَلَامِ مَعَ النَّاسِ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنَ الذِّكْرِ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: وَاذْكُرْ عَطَاءَ ربك وإجابته لدعائك. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: لَوْ رُخِّصَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِ الذِّكْرِ لَرُخِّصَ لِزَكَرِيَّا، وَلِلرَّجُلِ فِي الْحَرْبِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً «١» وَأَمَرَ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ لِيَكْثُرَ ذِكْرُ اللَّهِ لَهُ بِنِعَمِهِ وَأَلْطَافِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ «٢» .

وَانْتِصَابُ: كَثِيرًا، عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْمَصْدَرِ الْمَحْذُوفِ الدَّالِّ عَلَيْهِ: اذْكُرُوا، عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ.

وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ أَيْ: نَزِّهِ اللَّهَ عَنْ سِمَاتِ النَّقْصِ بِالنُّطْقِ بِاللِّسَانِ بِقَوْلِكَ:

سُبْحَانَ اللَّهِ. وَقِيلَ: مَعْنَى وَسَبِّحْ وَصَلِّ، وَمِنْهُ: كَانَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى أَرْبَعًا، فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمَرَ بِتَسْبِيحِ اللَّهِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ: أَوَّلَ الْفَجْرِ، وَوَقْتَ ميل الشمس


(١) سورة الأنفال: ٨/ ٤٥.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>