نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، عَلَى قَوْلِهِ عَامًّا، وَيَكُونُ الْأَمْرُ الَّذِي اصْطُفِيَتْ بِهِ مِنْ أَجْلِهِ هُوَ اخْتِصَاصُهَا بِوِلَادَةِ عِيسَى. وَقِيلَ: هُوَ خِدْمَةُ الْبَيْتِ. وَقِيلَ: التَّحْرِيرُ وَلَمْ تُحَرَّرْ أُنْثَى غَيْرَ مَرْيَمَ. وَقِيلَ:
سَلَامَتُهَا مِنْ نَخْسِ الشَّيْطَانِ. وَقِيلَ: نُبُوَّتُهَا، فَإِنَّهُ قِيلَ إِنَّهَا نُبِّئَتْ، وَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تَظْهَرُ لَهَا وَتُخَاطِبُهَا بِرِسَالَةِ اللَّهِ لَهَا، وَكَانَ زَكَرِيَّا يَسْمَعُ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: إِنَّ لِمَرْيَمَ لَشَأْنًا. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنَبَّأِ امْرَأْةٌ، فَالْمَعْنَى الَّذِي اصْطُفِيَتْ لِأَجْلِهِ مريم على نساء العالمين هُوَ شَيْءٌ يَخُصُّهَا، فَهُوَ اصْطِفَاءٌ خَاصٌّ إِذْ سَبَبُهُ خَاصٌّ. وَقِيلَ: نِسَاءُ الْعَالَمِينَ، خَاصٌّ بِنِسَاءِ عَالَمِ زَمَانِهَا، فَيَكُونُ الِاصْطِفَاءُ إِذْ ذَاكَ عَامًّا، قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ.
وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ نِسَاءِ الْجَنَّةِ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ» .
وَرُوِيَ: «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ» .
وَرُوِيَ: «خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أَرْبَعُ: مَرْيَمُ بنت عمران، وآسية بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بِنْتُ مُحَمَّدٍ» .
وَرُوِيَ: «فُضِّلَتْ خَدِيجَةُ عَلَى نِسَاءِ أُمَّتِي كَمَا فُضِّلَتْ مَرْيَمُ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» .
وَرُوِيَ: أَنَّهَا مِنَ الْكَامِلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ تَفْضِيلُ مَرْيَمَ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى ظَاهِرِ هَذَا التَّفْضِيلِ. قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَالَّذِي رَأَيْتُ مِمَّنِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، أَنَّهُمْ يَنْقُلُونَ عَنْ أَشْيَاخِهِمْ: أَنَّ فَاطِمَةَ أَفْضَلُ النِّسَاءِ الْمُتَقَدِّمَاتِ وَالْمُتَأَخِّرَاتِ لِأَنَّهَا بَضْعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُنَادِيَ لَهَا بِذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ، وَالْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ هُنَا: الْعِبَادَةُ، قَالَهُ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ. أَوْ: طُولُ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالرَّبِيعُ، أَوِ: الطَّاعَةُ، أَوِ:
الْإِخْلَاصُ، قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ.
وَفِي قَوْلِهِ: لِرَبِّكِ، إِشَارَةٌ إِلَى أَنْ تُفْرِدَهُ بِالْعِبَادَةِ وَتُخَصِّصَهُ بِهَا، وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ فِي الْمَعْنَى لِقَوْلِهِ: وَاسْجُدِي وَارْكَعِي
وَرَوَى مُجَاهِدٌ أَنَّهَا: لَمَّا خُوطِبَتْ بِهَذَا قَامَتْ حَتَّى وَرِمَتْ قَدَمَاهَا.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: قَامَتْ حَتَّى سَالَ الدَّمُ وَالْقَيْحُ مِنْ قَدَمَيْهَا.
وَرُوِيَ: أَنَّ الطَّيْرَ كَانَتْ تَنْزِلُ عَلَى رَأْسِهَا تَظُنُّهَا جَمَادًا لِسُكُونِهَا فِي طُولِ قِيَامِهَا.
وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ أَمَرَتْهَا الْمَلَائِكَةُ بِفِعْلِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مِنْ هَيْئَاتِ