بَاتَ يُقَاسِيهَا غُلَامٌ كَالزَّلَمْ ... خَدَلَّجُ السَّاقَيْنِ مَمْسُوحُ الْقَدَمْ
أَوْ: لِمَسْحِ الْجِمَالِ إِيَّاهُ وَهُوَ ظُهُورُهُ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
عَلَى وَجْهِ مَيٍّ مَسْحَةٌ مِنْ مَلَاحَةٍ أَوْ: لِمَسْحَةٍ مِنَ الْأَقْذَارِ الَّتِي تَنَالُ الْمَوْلُودِينَ، لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ لَا تَحِيضُ وَلَمْ تُدَنَّسْ بِدَمِ نِفَاسٍ. أَقْوَالٌ سَبْعَةٌ، وَيَكُونُ: فَعِيلٌ، فِيهَا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي: الْمَسِيحِ، لِلْغَلَبَةِ مِثْلُهَا فِي: الدَّبَرَانُ وَالْعَيُّوقُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَمْسَحُ بِيَدِهِ ذَا عَاهَةٍ إِلَّا بَرِيءَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ: فَعِيلٌ، مَبْنِيًّا لِلْمُبَالَغَةِ: كَعَلِيمٍ، وَيَكُونُ مِنَ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي حُوِّلَتْ مِنْ فَاعِلٍ إِلَى فَعِيلٍ لِلْمُبَالَغَةِ. وَقِيلَ: مِنَ الْمِسَاحَةِ، وَكَانَ يَجُولُ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُهَا. وَقِيلَ: هُوَ مُفْعِلٌ مِنْ سَاحَ يَسِيحُ مِنَ السِّيَاحَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالنَّخَعِيُّ:
الْمَسِيحُ: الصِّدِّيقُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ جُبَيْرٍ: الْمَسِيحُ: الْمَلِكُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَلَكَ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَصْلُهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَشِيحًا، فَغُيِّرَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ اسْمًا مُرْتَجَلًا لَيْسَ هُوَ مُشْتَقًّا مِنَ الْمَسْحِ وَلَا مِنَ السِّيَاحَةِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الْأَبْنَاءُ يُنْسَبُونَ إِلَى الْآبَاءِ، وَنُسِبَ إِلَيْهَا. وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لَهَا إِعْلَامًا أَنَّهُ يُولَدُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ فَلَا يُنْسَبُ إِلَّا إِلَيْهَا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ اسْمَهُ: الْمَسِيحُ، فَيَكُونُ: اسْمُهُ المسيح، مبتدأ وخبرا، و: عيسى، جَوَّزُوا فِيهِ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، وَأَنْ يَكُونَ بَدَلًا، وَأَنْ يَكُونَ عَطْفَ بَيَانٍ. وَمَنَعَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، وَقَالَ: كَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَسْمَاهُ عَلَى الْمَعْنَى، أَوْ أَسْمَاهَا عَلَى لَفْظِ الْكَلِمَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ: عِيسَى، خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هُوَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَدْعُو إِلَى هَذَا كَوْنُ قَوْلِهِ: ابْنُ مَرْيَمَ، صِفَةٌ: لِعِيسَى، إِذْ قَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى كَتْبِهِ دُونَ الْأَلِفِ. وَأَمَّا عَلَى الْبَدَلِ، أَوْ عَطْفِ الْبَيَانِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ: ابْنُ مَرْيَمَ، صِفَةً: لِعِيسَى، لِأَنَّ الِاسْمَ هُنَا لَمْ يُرَدْ بِهِ الشَّخْصُ. هَذِهِ النَّزْعَةُ لِأَبِي عَلِيٍّ. وَفِي صَدْرِ الْكَلَامِ نَظَرٌ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَإِنْ قُلْتَ لِمَ قِيلَ: اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ الِاسْمُ مِنْهَا: عِيسَى، وَأَمَّا: المسيح و: الابن، فَلَقَبٌ وَصِفَةٌ؟.
قُلْتُ: الِاسْمُ لِلْمُسَمَّى عَلَامَةٌ يُعْرَفُ بِهَا، وَيَتَمَيَّزُ مِنْ غَيْرِهِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute