تَفْسِيرُهَا، وَفُسِّرَتْ هُنَا: بِسُنَنِ الْأَنْبِيَاءِ، وَبِمَا شَرَعَهُ مِنَ الدِّينِ، وَبِالنُّبُوَّةِ، وَبِالصَّوَابِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَبِالْعَقْلِ، وَبِأَنْوَاعِ الْعِلْمِ. وَبِمَجْمُوعِ مَا تَقَدَّمَ أَقْوَالٌ سَبْعَةٌ.
رُوِيَ أَنَّ عِيسَى كَانَ يَسْتَظْهِرُ التَّوْرَاةَ، وَيُقَالُ لَمْ يَحْفَظْهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَيْرُ: مُوسَى، وَيُوشَعُ، وَعُزَيْرٌ، وَعِيسَى.
وَذُكِرَ الْإِنْجِيلُ لِمَرْيَمَ وَهُوَ لم ينزل بعد لأنه كَانَ كِتَابًا مَذْكُورًا عِنْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، وَأَنَّهُ سَيَنْزِلُ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَعَاصِمٌ، وَيَعْقُوبُ، وَسَهْلٌ: وَيُعَلِّمُهُ، بِالْيَاءِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: بِالنُّونِ، وَعَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمَقُولَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: قَالَ كَذَلِكِ، الضَّمِيرُ فِي:
قَالَ، عَائِدٌ عَلَى الرَّبِّ، وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ هِيَ الْمَقُولَةُ، وَسَوَاءٌ كَانَ لَفْظُ اللَّهِ مُبْتَدَأً، وَخَبَرُهُ فِيمَا قَبْلَهُ، لَزِمَ مُبْتَدَأً وَخَبَرَهُ يَخْلُقُ عَلَى مَا مَرَّ إِعْرَابُهُ فِي: قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ فَيَكُونُ هَذَا مِنَ الْمَقُولِ لِمَرْيَمَ، أَمْ عَلَى سَبِيلِ الِاغْتِبَاطِ وَالتَّبْشِيرِ بِهَذَا الْوَلَدِ الَّذِي يُوجِدُهُ اللَّهُ مِنْهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى: يَخْلُقُ، سَوَاءٌ كَانَتْ خَبَرًا عَنِ اللَّهِ أَمْ تَفْسِيرًا لِمَا قَبْلَهَا، إِذَا أَعْرَبْتَ لَفْظَ: اللَّهُ مُبْتَدَأً وَمَا قَبْلَهُ الْخَبَرَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ كُلُّهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْيَاءِ. وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ النُّونِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ، خَرَجَ مِنْ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ إِلَى ضَمِيرِ التَّكَلُّمِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْفَخَامَةِ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَجَوَّزَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَغَيْرُهُ عَطْفٌ: وَيُعَلِّمُهُ، عَلَى: يُبَشِّرُكِ، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا لِطُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. وَأَجَازَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى: وَيُكَلِّمُ، وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى: وَجِيهًا، فَيَكُونُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. وَفِيمَا أَجَازَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى خبر إن، وهذا الْقَوْلَانِ بِعِيدَانِ أَيْضًا لِطُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَنُعَلِّمُهُ، بِالنُّونِ حَمَلَهُ عَلَى قَوْلِهِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ فَإِنْ عُنِيَ بِالْحَمْلِ الْعَطْفُ فَلَا شَيْءَ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ، وَإِنْ عُنِيَ بِالْحَمْلِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَوْ هُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى شيء مِنْ هَذِهِ الَّتِي ذُكِرَتْ، فَإِنْ عُنِيَ أَنَّهُ اسْتِئْنَافُ إِخْبَارٍ عَنِ اللَّهِ، أَوْ مِنَ اللَّهِ، عَلَى اخْتِلَافِ الْقِرَاءَتَيْنِ، فَمِنْ حَيْثُ ثُبُوتُ الْوَاوِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى شيء قَبْلَهُ، فَلَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute