للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُوِيَ أَنَّهُ فِي إِحْيَائِهِ الْمَوْتَى كَانَ يَضْرِبُ بِعَصَاهُ الْمَيِّتَ، أَوِ الْقَبْرَ، أَوِ الْجُمْجُمَةَ، فَيُحْيِي الْإِنْسَانَ وَيُكَلِّمُهُ وَيَعِيشُ.

وَقِيلَ: تَمُوتُ سَرِيعًا.

وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عِيسَى خَرَجَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ حَوَارِيِّيهِ حَتَّى بَلَغَ الْأَنْدَلُسَ، وَذَكَرَ قِصَّةً فِيهَا طُولٌ، مَضْمُونُهَا: أَنَّهُ أَحْيَا بِهَا مَيِّتًا، وَسَأَلُوهُ فَإِذَا هُوَ مِنْ قَوْمِ عَادٍ.

وَوَرَدَتْ قَصَصٌ فِي إِحْيَاءِ خَلْقٍ كَثِيرٍ عَلَى يَدِ عِيسَى، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ مِمَّا كَانَ يَدْعُو بِهَا إِذَا أَحْيَا، اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا.

وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ قَالَ السُّدِّيُّ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ عِيسَى مِنْ لَدُنْ طُفُولِيَّتِهِ، وَهُوَ فِي الْكُتَّابِ يُخْبِرُ الصِّبْيَانَ بِمَا يَفْعَلُ آبَاؤُهُمْ، وَبِمَا يَؤْكَلُ مِنَ الطَّعَامِ، وَمَا يُدَّخَرُ إِلَى أَنْ نبىء، وَيَقُولُ لِمَنْ سَأَلَهُ: أَكَلْتَ البارحة هذا، وَادَّخَرْتَ. وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ لَمَّا أَحْيَا لَهُمُ الْمَوْتَى، طَلَبُوا مِنْهُ آيَةً أُخْرَى، وَقَالُوا: أَخْبِرْنَا بِمَا نَأْكُلُ وَمَا نَدَّخِرُ لِلْغَدِ، فَأَخْبَرَهُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ ذَلِكَ فِي نُزُولِ الْمَائِدَةِ، عَهِدَ إِلَيْهِمْ أَنْ يأكلوا منها ولا يخبأوا وَلَا يَدَّخِرُوا، فَخَالَفُوا، فَكَانَ عِيسَى يُخْبِرُهُمْ بِمَا أَكَلُوهُ وَمَا ادَّخَرُوا فِي بُيُوتِهِمْ، وَعُوقِبُوا عَلَى ذَلِكَ.

وَأَتَى بِهَذِهِ الْخَوَارِقِ الْأَرْبَعِ مُصَدَّرَةً بِالْمُضَارِعِ الدَّالِّ عَلَى التَّجَدُّدِ، وَالْحَالَةِ الدَّائِمَةِ:

وَبَدَأَ بِالْخَلْقِ إِذْ هُوَ أَعْظَمُ فِي الْإِعْجَازِ، وَثَنَى بِإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ، وَأَتَى ثَالِثًا بِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَهُوَ خَارِقٌ شَارَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَرَّرَ: بِإِذْنِ اللَّهِ، دَفْعًا لِمَنْ يَتَوَهَّمُ فِيهِ الْأُلُوهِيَّةَ، وَكَانَ، بِإِذْنِ اللَّهِ، عَقِبَ قَوْلِهِ: أَنِّي أَخْلُقُ، وعطف عليه: وأبرىء الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَلَمْ يَذْكُرْ: بِإِذْنِ اللَّهِ، اكْتِفَاءً بِهِ فِي الْخَارِقِ الْأَعْظَمِ، وَعَقَّبَ قَوْلَهُ: وَأُحْيِي الْمَوْتَى، بِقَوْلِهِ: بِإِذْنِ اللَّهِ، وَعَطَفَ عَلَيْهِ: وَأُنَبِّئُكُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ، بِإِذْنِ اللَّهِ، لِأَنَّ إِحْيَاءَ الْأَمْوَاتِ أَعْظَمُ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْمُغَيَّبَاتِ، فَاكْتَفَى بِهِ فِي الْخَارِقِ الْأَعْظَمِ أَيْضًا، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَارِقَيْنِ الْأَعْظَمَيْنِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: بِإِذْنِ اللَّهِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذَلِكَ فِيمَا عُطِفَ عَلَيْهِمَا اكْتِفَاءً بِالْأَوَّلِ إِذْ كُلُّ هَذِهِ الْخَوَارِقِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ.

وَ: مَا، فِي: مَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ، مَوْصُولَةٌ اسْمِيَّةٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقِيلَ:

مَصْدَرِيَّةٌ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تَدَّخِرُونَ، بِدَالٍ مُشَدَّدَةٍ، وَأَصْلُهُ: اذْتَخَرَ، مِنَ الذُّخْرِ، أُبْدِلَتِ التَّاءُ دَالًا، فَصَارَ: اذْدَخَرَ، ثُمَّ أُدْغِمَتِ الذَّالُ فِي الدَّالِ، فَقِيلَ: ادَّخَرَ، كَمَا قِيلَ: ادَّكَرَهُ. وَقَرَأَ

<<  <  ج: ص:  >  >>