للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، إِشَارَةٌ إِلَى مَا حَرَّمَهُ الْأَحْبَارُ بَعْدَ مُوسَى وَشَرَّعُوهُ، فَكَأَنَّ عِيسَى رَدَّ أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ إِلَى حَقَائِقِهَا الَّتِي نَزَلَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي إِحْلَالِهِ لَهُمُ السَّبْتَ. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ: مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ، مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَالْفَاعِلُ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى: مَا، مِنْ قَوْلِهِ: لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ، أَوْ يَعُودُ عَلَى: اللَّهِ، مُنْزِلِ التَّوْرَاةِ، أَوْ عَلَى: مُوسَى، صَاحِبِ التَّوْرَاةِ. وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ. وَقَرَأَ: حَرُمَ، بِوَزْنِ: كَرُمَ، إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالْمُرَادُ بِبَعْضِ مَدْلُولِهَا الْمُتَعَارَفِ، وَزَعَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا مَعْنَى كُلِّ خَطَأٍ، لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ أَنْ يُحِلَّ لَهُمُ: الْقَتْلَ، وَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةَ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ، وَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى أَنَّ: بَعْضًا، تَأْتِي بِمَعْنَى: كُلٍّ، بِقَوْلِ لَبِيدٍ:

تَرَّاكُ أَمكِنَةً إِذَا لَمْ أَرْضَهَا ... أَوْ تَرْتَبِطْ بَعْضَ النُفوسِ حِمَامُهَا

لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ بَعْضًا عَلَى مَدْلُولِهِ، إِذْ يُرِيدُ نَفْسَهُ، فَهُوَ تَبْعِيضٌ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ اسْتِدْلَالُ مَنِ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ:

إِنَّ الْأُمُورَ إِذَا الْأَحْدَاثُ دَبَّرَهَا ... دُونَ الشُّيُوخِ تَرَى فِي بَعْضِهَا خَلَلَا

لِصِحَّةِ التَّبْعِيضِ، إِذْ لَيْسَ كُلُّ مَا دَبَّرَهُ الْأَحْدَاثُ يَكُونُ فِيهِ الْخَلَلُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَقُومُ:

بَعْضٌ، مَقَامَ: كُلٍّ إِلَّا إِذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ، نَحْوَ قَوْلِهِ:

أَبَا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا ... حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ

يُرِيدُ: بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ كُلِّهِ. انْتَهَى. وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ.

وَاللَّامُ فِي: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ، لَامُ كَيْ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يُسَوِّغُ عَطْفَهُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، فَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَعْنَى، إِذِ الْمَعْنَى فِي: وَمُصَدِّقًا، أَيْ: لِأُصَدِّقَ مَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَلِأُحِلَّ لَكُمْ. وَهَذَا هُوَ الْعَطْفُ عَلَى التَّوَهُّمِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ، لِأَنَّ مَعْقُولِيَّةَ الْحَالِ مُخَالِفَةٌ لِمَعْقُولِيَّةِ التَّعْلِيلِ، وَالْعَطْفُ عَلَى التَّوَهُّمِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مُتَّحِدًا فِي الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ كَيْفَ اتَّحَدَ الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ الصَّلَاحِيَةُ لِجَوَابِ التَّحْضِيضِ؟ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:

تَقِيٌّ نَقِيٌّ لَمْ يُكْثِرْ غَنِيمَةً ... بِنَكْهَةِ ذِي قُرْبَى وَلَا بحفلد

كَيْفَ اتَّحَدَ مَعْنَى النَّفْيِ في قوله: لم يكثر، وَ: لَا، فِي قَوْلِهِ: ولا بحفلد؟ أَيْ: لَيْسَ بِمُكْثِرٍ وَلَا بحفلد. وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ. وَقِيلَ: اللَّامُ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ بَعْدَ الْوَاوِ يُفَسِّرُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>