للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّابِعِ عَلَى سَبِيلِ التَّبْشِيرِ بِحَالِ تَابِعِيهِ فِي الدُّنْيَا، لِيُكْمِلَ بِذَلِكَ سُرُورَهُ بِمَا أُوتِيهِ، وَأُوتِيَ تَابِعُوهُ مِنَ الْخَيْرِ.

ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ هَذَا إِخْبَارٌ بِالْحَشْرِ وَالْبَعْثِ، وَالْمَعْنَى ثُمَّ إِلَى حُكْمِي، وَهَذَا عِنْدِي مِنَ الِالْتِفَاتِ، لِأَنَّهُ سَبَقَ ذِكْرَ مُكَذِّبِيهِ: وَهُمُ الْيَهُودُ، وَذِكْرَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَهُمُ الْحَوَارِيُّونَ. وَأَعْقَبَ ذَلِكَ قَوْلَهُ: وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَذَكَرَ متبعيه الكافرين، فَلَوْ جَاءَ عَلَى نَمَطِ هَذَا السَّابِقِ لَكَانَ التَّرْكِيبُ:

ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُهُمْ، وَلَكِنَّهُ الْتَفَتَ عَلَى سَبِيلِ الْخِطَابِ لِلْجَمِيعِ، لِيَكُونَ الْإِخْبَارُ أَبْلَغَ فِي التَّهْدِيدِ، وَأَشَدَّ زَجْرًا لِمَنْ يَزْدَجِرُ.

ثُمَّ ذَكَرَ لَفْظَةَ: إِلَيَّ، وَلَفْظَةَ: فَأَحْكُمُ، بِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ، لِيُعْلَمَ أَنَّ الْحَاكِمَ هُنَاكَ مَنْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَحْكُمُ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَاتِّبَاعِ شَرَائِعِهِمْ، وَأَتَى بِالْحُكْمِ مُبْهَمًا، ثُمَّ فَصَّلَ الْمَحْكُومَ بَيْنَهُمْ إِلَى: كَافِرٍ وَمُؤْمِنٍ، وَذَكَرَ جَزَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مرجعكم، الخطاب لعيسى، وَالْمُرَادُ الْإِخْبَارُ بِالْقِيَامَةِ وَالْحَشْرِ، فَلِذَلِكَ جَاءَ اللَّفْظُ عَامًّا مِنْ حَيْثُ الْأَمْرُ فِي نَفْسِهِ لَا يَخُصُّ عِيسَى وَحْدَهُ، فَخَاطَبَهُ كَمَا يُخَاطِبُ الْجَمَاعَةَ، إِذْ هُوَ أَحَدُهَا، وَإِذْ هِيَ مُرَادَةٌ فِي الْمَعْنَى. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مِنَ الِالْتِفَاتِ كَمَا ذَكَرْتُهُ.

فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا، أَيْ: كَفَرُوا بِكَ وَجَحَدُوا نُبُوَّتَكَ، وَالظَّاهِرُ الْعُمُومُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ، مُبْتَدَأً وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ.

فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً وُصِفَ الْعَذَابُ بِالشِّدَّةِ لِتَضَاعُفِهِ وَازْدِيَادِهِ. وَقِيلَ: لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِ.

فِي الدُّنْيا بِالْأَسْرِ وَالْقَتْلِ وَالْجِزْيَةِ وَالذُّلِّ، وَمَنْ لَمْ يَنَلْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَهُوَ عَلَى وَجَلٍ، إِذْ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَطْلُبُهُ.

وَالْآخِرَةِ بِعَذَابِ النَّارِ. وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنْهُ تَعَالَى بِمَا يَفْعَلُ بِالْكَافِرِ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ فِي دُنْيَاهُ إِلَى آخِرِ أَمْرِهِ فِي عُقْبَاهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>