عِبَارَةٌ عَنْ إِرَادَةِ إِيصَالِ الْخَيْرِ لَهُ، فَهُوَ تَعَالَى، وَإِنْ أَرَادَ كُفْرَ الْكَافِرِ، لَا يُرِيدُ إِيصَالَ الثَّوَابِ إِلَيْهِ.
ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ذَلِكَ: إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ خَبَرِ عِيسَى وزكريا وغيرهما، و: نتلوه، نَسْرِدُهُ وَنَذْكُرُهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَأَضَافَ التِّلَاوَةَ إِلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ هُوَ التَّالِيَ تَشْرِيفًا لَهُ، جَعَلَ تِلَاوَةَ الْمَأْمُورِ تِلَاوَةَ الْآمِرِ، وَفِي: نَتْلُوهُ، الْتِفَاتٌ، لأن قبله ضمير غائب فِي قَوْلِهِ: لَا يُحِبُّ، وَنَتْلُوهُ: مَعْنَاهُ تَلَوْنَاهُ، كَقَوْلِهِ: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ «١» وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ظَاهِرُهُ مِنَ الْحَالِ، لِأَنَّ قِصَّةَ عِيسَى لَمْ يَفْرَغْ مِنْهَا، وَيَكُونُ: ذَلِكَ، بِمَعْنَى: هَذَا.
وَالْآيَاتُ هُنَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهَا آيَاتُ الْقُرْآنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْمُعْجِزَاتُ وَالْمُسْتَغْرَبَاتُ، أَيْ: نَأْتِيهِمْ بِهَذِهِ الْغُيُوبِ مِنْ قِبَلِنَا، وَبِسَبَبِ تِلَاوَتِنَا، وَأَنْتَ أُمِّيٌّ لَا تَقْرَأُ وَلَا تَصْحَبُ أَهْلَ الْكِتَابِ، فَهِيَ آيَاتٌ لِنُبُوَّتِكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْجُمْهُورُ: وَالذِّكْرُ:
الْقُرْآنُ وَالْحَكِيمُ أَيِ: الْحَاكِمُ، أَتَى بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ، وَوَصَفَ بِصِفَةِ مَنْ هُوَ مِنْ سَبَبِهِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ: كَأَنَّهُ يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ لِكَثْرَةِ حُكْمِهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لِأَنَّهُ ذُو حِكْمَةٍ فِي تَأْلِيفِهِ وَنَظْمِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمُحْكِمِ، قَالَهُ الْجُمْهُورُ، أَحْكَمَ عَنْ طُرُقِ الْخَلَلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: أُحْكِمَتْ آياتُهُ «٢» وَيَكُونُ: فَعِيلٌ، بِمَعْنَى: مُفْعَلٍ، وَهُوَ قَلِيلٌ، وَمِنْهُ: أَعْقَدْتُ الْعَسَلَ فَهُوَ مُعْقَدٌ وَعَقِيدٌ، وَأَحْبَسْتُ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ مُحْبَسٌ وَحَبِيسٌ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُنَا اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي مِنْهُ نُقِلَتْ جَمِيعُ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ على الْأَنْبِيَاءِ، أَخْبَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ هَذِهِ الْقَصَصَ مِمَّا كُتِبَ هناك.
وَ: ذَلِكَ، مُبْتَدَأٌ، وَ: نتلوه، خبر و: من الْآيَاتِ، مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ: كَائِنًا مِنَ الْآيَاتِ. وَ: مِنْ، لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّ هَذَا الْمَتْلُوَّ بَعْضُ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ: مِنَ الْآيَاتِ، خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجِيزُ تَعْدَادَ الْأَخْبَارِ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ، إِذَا كَانَ لِمُبْتَدَأٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى خَبَرٍ وَاحِدٍ، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ:
مِنَ، لِبَيَانِ الْجِنْسِ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجِيزُ أَنْ تَكُونَ: مِنْ، لِبَيَانِ الْجِنْسِ. وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ هُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إِلَّا بِمَجَازٍ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ: مِنَ، الْبَيَانِيَّةِ بِالْمَوْصُولِ. وَلَوْ قُلْتَ: ذلك نتلوه
(١- ٢) سورة البقرة: ٢/ ١٠٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute