مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ عَلَى قَوْلِكَ: لِمَ تَجْمَعُونَ ذَا وَذَا؟ فَيَكُونُ نَصْبًا عَلَى الصَّرْفِ فِي قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ، وَبِإِضْمَارِ: أَنْ، فِي قَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ، وَقَالَ: الِاسْتِفْهَامُ وَقَعَ عَلَى اللَّبْسِ فَحَسْبُ.
وَأَمَّا: يَكْتُمُونَ، فَخَبَرٌ حَتْمًا لَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا الرَّفْعُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى:
تَلْبِسُونَ، بَلْ هُوَ اسْتِئْنَافٌ، خَبَرٌ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَكْتُمُونَ الْحَقَّ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُ حَقٌّ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: الصَّرْفُ هَاهُنَا يَقْبُحُ، وَكَذَلِكَ إِضْمَارُ: أَنْ، لِأَنَّ: يَكْتُمُونَ، مَعْطُوفٌ عَلَى مُوجَبٍ مُقَرَّرٍ، وَلَيْسَ بِمُسْتَفْهَمٍ عَنْهُ، وَإِنَّمَا اسْتُفْهِمَ عَنِ السَّبَبِ فِي اللَّبْسِ، وَاللَّبْسُ مُوجَبٌ، فَلَيْسَتِ الْآيَةُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ: لَا تأكل السمك وتشرب اللبن، وَبِمَنْزِلَةِ، قَوْلِكَ: أَتَقُومُ فَأَقُومَ؟ وَالْعَطْفُ عَلَى الْمُوجَبِ الْمُقَرَّرِ قَبِيحٌ مَتَى نُصِبَ، إِلَّا فِي ضَرُورَةِ شِعْرٍ، كَمَا رُوِيَ:
وَأَلْحَقُ بِالْحِجَازِ فَأَسْتَرِيحَا وَقَدْ قَالَ سِيبَوَيْهِ: فِي قَوْلِكَ: أَسِرْتَ حَتَّى تَدْخُلَهَا، لَا يَجُوزُ إِلَّا النَّصْبُ، فِي:
تَدْخُلَ، لِأَنَّ السَّيْرَ مُسْتَفْهَمٌ عَنْهُ غَيْرُ مُوجَبٍ: وَإِذَا قُلْنَا: أَيُّهُمْ سَارَ حَتَّى يَدْخُلُهَا، رُفِعَتْ، لِأَنَّ السَّيْرَ مُوجَبٌ، وَالِاسْتِفْهَامُ إِنَّمَا وَقَعَ عَنْ غَيْرِهِ. انْتَهَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ.
وَالظَّاهِرُ تَعَارُضُ مَا نُقِلَ مَعَ مَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ فِيهِ: أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ وَقَعَ عَلَى اللَّبْسِ فَحَسْبُ، وَأَمَّا: يَكْتُمُونَ، فَخَبَرٌ حَتْمًا لَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا الرَّفْعُ، وَفِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّ:
يَكْتُمُونَ، مَعْطُوفٌ عَلَى مُوجَبٍ مُقَرَّرٍ، وَلَيْسَ بِمُسْتَفْهَمٍ عَنْهُ، فَيَدُلُّ الْعَطْفُ عَلَى اشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْتِفْهَامِ عَنْ سَبَبِ اللَّبْسِ وَسَبَبِ الْكَتْمِ الْمُوجَبَيْنِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا الْمَعْنَى وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ: وَيَكْتُمُونَ، إِخْبَارًا مَحْضًا لَمْ يَشْتَرِكْ مَعَ اللَّبْسِ فِي السُّؤَالِ عَنِ السَّبَبِ، وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَلِيٍّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ إِذَا تَضَمَّنَ وُقُوعَ الْفِعْلِ لَا يَنْتَصِبُ الْفِعْلُ بِإِضْمَارِ أَنْ فِي جَوَابِهِ، تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ ابْنُ مَالِكٍ. فَقَالَ فِي (التَّسْهِيلِ) حِينَ عَدَّ مَا يُضْمِرُ: أَنْ، لُزُومًا فِي الْجَوَابِ، فَقَالَ: أَوْ لِاسْتِفْهَامٍ لَا يَتَضَمَّنُ وُقُوعَ الْفِعْلِ، فَإِنْ تَضَمَّنَ وَقْعَ الْفِعْلِ لَمْ يَجُزِ النَّصْبُ عِنْدَهُ، نَحْوَ: لِمَ ضَرَبْتَ زَيْدًا، فَيُجَازِيكَ؟ لِأَنَّ الضَّرْبَ قَدْ وَقَعَ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا يَشْتَرِطُ هَذَا الشَّرْطَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ، وَتَبِعَهُ فِيهِ ابْنُ مَالِكٍ فِي الِاسْتِفْهَامِ، بَلْ إِذَا تَعَذَّرَ سَبْكُ مَصْدَرٍ مِمَّا قَبْلَهُ، إِمَّا لِكَوْنِهِ لَيْسَ ثَمَّ فِعْلٌ، وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ يَنْسَبِكُ مِنْهُ، وإما لإسحالة سَبْكِ مَصْدَرٍ مُرَادٍ اسْتِقْبَالُهُ لِأَجْلِ مُضِيِّ الْفِعْلِ، فَإِنَّمَا يُقَدَّرُ فِيهِ مَصْدَرُ اسْتِقْبَالِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى، فَإِذَا قَالَ: لِمَ ضَرَبْتَ زَيْدًا فَأَضْرِبُكَ. أَيْ: لِيَكُنْ مِنْكَ تَعْرِيفٌ بِضَرْبِ زَيْدٍ فَضَرْبٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute