بِالرَّسُولِ الَّذِي بُعِثَ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ، وَبِأَيْمَانِهِمُ الَّتِي حَلَفُوهَا لَنُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَنَنْصُرَنَّهُ، أَوْ بِعَهْدِ اللَّهِ. وَالِاشْتِرَاءُ هُنَا مَجَازٌ، وَالثَّمَنُ الْقَلِيلُ: مَتَاعُ الدُّنْيَا مِنَ الرُّشَى والتراؤس وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ لِمَا احْتَفَّ بِهَا مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا وَالْآيَاتِ الَّتِي بَعْدِهَا.
أُولئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَيْ: لَا نَصِيبَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، اعْتَاضُوا بِالْقَلِيلِ الْفَانِي عَنِ النَّعِيمِ الْبَاقِي، وَنَعْنِي: لَا نَصِيبَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ، نَفْيَ نَصِيبِ الْخَيْرِ عَنْهُ.
وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ: أَيْ بِمَا يَسُرُّهُمْ وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يُكَلِّمُهُمْ جُمْلَةً وَإِنَّمَا تُحَاسِبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْغَضَبِ، أَيْ: لَا يَحْفَلُ بِهِمْ، وَلَا يَرْضَى عَنْهُمْ، وَقَالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ شَرْحُ: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ «١» .
وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مَجَازٌ عَنِ الِاسْتِهَانَةِ بِهِمْ وَالسُّخْطِ عَلَيْهِمْ، تَقُولُ: فُلَانٌ لَا يَنْظُرُ إِلَى فُلَانٍ، يُرِيدُ نَفْيَ اعْتِدَادِهِ بِهِ، وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ.
فَإِنْ قُلْتَ أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّظَرُ وَفِيمَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ.
قُلْتُ أَصْلُهُ فِيمَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّظَرُ الْكِنَايَةُ، لِأَنَّ مَنِ اعْتَدَّ بِالْإِنْسَانِ الْتَفَتَ إِلَيْهِ وَأَعَارَهُ نَظَرَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى صَارَ عِبَارَةً عَنِ الِاعْتِدَادِ وَالْإِحْسَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَظَرٌ، ثُمَّ جَاءَ فِيمَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّظَرُ مُجَرَّدًا لِمَعْنَى الْإِحْسَانِ مَجَازًا عَمَّا وَقَعَ كِنَايَةً عَنْهُ فِيمَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّظَرُ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَلَا يَنْظُرُ. أَيْ: لَا يَرْحَمُ. قَالَ:
فَقُلْتُ انْظُرِي يَا أَحْسَنَ النَّاسِ كُلِّهِمُ ... لِذِي غَلَّةِ صَدْيَانَ قَدْ شَفَّهُ الْوَجْدُ
وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يُثْنِي عَلَيْهِمْ أَوْ لَا يُنَمِّي أَعْمَالَهُمْ، فَهِيَ تَنْمِيَةٌ لَهُمْ، أَوْ لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ. أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْبَقَرَةِ.
وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ أَيْضًا.
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً أَيْ: مِنَ الْيَهُودِ، قَالَهُ الْحَسَنُ: أَوْ: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: هم الْيَهُودُ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ غَيَّرُوا التَّوْرَاةَ.
وَكَتَبُوا كِتَابًا بَدَّلُوا فِيهِ صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَخَذَتْ قُرَيْظَةُ مَا كَتَبُوهُ فَخَلَطُوهُ بِالْكِتَابِ الَّذِي عندهم.
(١) سورة البقرة: ٢/ ١٧٤.