وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يَلْوُونَ، مُضَارِعُ: لَوَى وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ، وَشَيْبَةُ بْنُ نَصَّاحٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ عَنْ نَافِعٍ: يُلَوُّونَ بِالتَّشْدِيدِ، مُضَارِعُ: لَوَّى، مُشَدَّدًا. وَنَسَبَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالتَّضْعِيفُ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْثِيرُ فِي الْفِعْلِ لَا لِلتَّعْدِيَةِ. وَقَرَأَ حُمَيْدٌ: يَلُونَ، بِضَمِّ اللَّامِ، وَنَسَبَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ إِلَى أَنَّهَا رِوَايَةٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَابْنِ كَثِيرٍ، وَوُجِّهَتْ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ:
يَلْوُونَ، ثُمَّ أُبْدِلَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً، ثُمَّ نُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إِلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا، وَحُذِفَتْ هِيَ.
وَالْكِتَابُ: هُنَا التَّوْرَاةُ، وَالْمُخَاطَبُ في: لتحسبوه، المسلمون. وقرىء: لِيَحْسَبُوهُ، بِالْيَاءِ وَهُوَ يَعُودُ عَلَى الَّذِينَ يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ لَهُمْ، أَيْ: لِيَحْسَبَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَالضَّمِيرُ الْمَفْعُولُ فِي: لِيَحْسَبُوهُ، عَائِدٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْمُحَرَّفِ، أَيْ لِيَحْسَبُوا الْمُحَرَّفَ مِنَ الْكِتَابِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: بِالْكِتَابِ، عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِشِبْهِ الْكِتَابِ، فَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى ذَلِكَ الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ «١» أَيْ: أَوْ كَذِي ظُلُمَاتٍ، فَأَعَادَ الْمَفْعُولَ فِي: يَغْشَاهُ، عَلَى: ذِي، الْمَحْذُوفِ.
وَما هُوَ: مِنَ الْكِتابِ أَيْ: وَمَا الْمُحَرَّفُ وَالْمُبَدَّلُ الَّذِي لَوُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنَ التَّوْرَاةِ، فَلَا تَظُنُّوا ذَلِكَ أَنَّهُ مِنَ التَّوْرَاةِ.
وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَأْكِيدٌ لِمَا قَصَدُوهُ مِنْ حُسْبَانِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ مِنَ الْكِتَابِ، وَافْتِرَاءٍ عَظِيمٍ عَلَى اللَّهِ، إِذْ لَمْ يَكْتَفُوا بِهَذَا الْفِعْلِ الْقَبِيحِ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ حَتَّى عَضَّدُوا ذَلِكَ بِالْقَوْلِ لِيُطَابِقَ الْفِعْلُ الْقَوْلَ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَعْرِضُونَ، وَلَا يَوَدُّونَ فِي ذَلِكَ، بَلْ يُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ فِي التَّوْرَاةِ هَكَذَا، وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مُوسَى كَذَلِكَ، وَذَلِكَ لفرط جرأتهم عَلَى اللَّهِ وَيَأْسِهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ.
وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ رَدٌّ عَلَيْهِمْ فِي إِخْبَارِهِمْ بِالْكَذِبِ، وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ نَفْيٌ أَوَّلًا أَخَصُّ، إِذِ التَّعْلِيلُ كَانَ لِأَخَصَّ، وَنَفْيٌ هُنَا أَعَمُّ، لِأَنَّ الدَّعْوَى مِنْهُمْ كَانَتْ الأعم، لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي التَّوْرَاةِ أَوْ غَيْرِهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ولا
(١) سورة النور: ٢٤/ ٤٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute