الْعَرَبِ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مِثْلُهُ، فَكَيْفَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَكَانَ ابْنُ جِنِّي كثير التمحل فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَيَلْزَمُ في: لما، عَلَى مَا قَرَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي: لَمِنْ مَا آتَيْنَاكُمْ، زَائِدَةً، وَلَا تَكُونُ اللَّامَ الْمُوَطِّئَةَ، لِأَنَّ اللَّامَ الْمُوَطَّئَةِ إِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى أَدَوَاتِ الشَّرْطِ لَا عَلَى حَرْفِ الْجَرِّ، لَوْ قُلْتَ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَمِنْ أَجْلِكَ لَأَضْرِبَنَّ عَمْرًا، لَمْ يَجُزْ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مُوَطِّئَةً لِأَنَّهَا تُوَطِّئُ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلشَّرْطِ لِلْقَسَمِ، فَيَصِيرُ جَوَابُ الشَّرْطِ إِذْ ذَاكَ مَحْذُوفًا لِدَلَالَةِ جَوَابِ الْقَسَمِ عَلَيْهِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ: آتَيْنَاكُمْ، عَلَى التَّعْظِيمِ وَتَنْزِيلُ الْوَاحِدِ مَنْزِلَةَ الْجَمْعِ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:
آتَيْتُكُمْ، عَلَى الْإِفْرَادِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، إِذْ تَقَدَّمَهُ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ وَجَاءَ بَعْدَهُ إِصْرِي.
وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: رَسُولٌ مُصَدِّقًا، نَصْبَهُ عَلَى الْحَالِ، وَهُوَ جَائِزٌ مِنَ النَّكِرَةِ، وَإِنْ تَقَدَّمَتِ النَّكِرَةُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ سِيبَوَيْهِ قَاسَهُ، وَيُحَسِّنُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي اللَّفْظِ مُعَرَّفَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْمَعْنِيَّ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَقَوْلُهُ: لَمَا آتَيْتُكُمْ، إِنْ أُرِيدَ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْإِيتَاءِ الْإِنْزَالَ فَلَيْسَ كُلُّهُمْ أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ، فَيَكُونُ مِنْ خِطَابِ الْكُلِّ بِخِطَابِ أَشْرَفِ أَنْوَاعِهِ، وَيَكُونُ التَّعْمِيمُ فِي الْأَنْبِيَاءِ مَجَازًا، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْإِيتَاءِ كَوْنُهُ مُهْتَدًى بِهِ وَدَاعِيًا إِلَى الْعَمَلِ بِهِ صَحَّ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَكُونُ التَّعْمِيمُ حَقِيقَةً.
وَكَذَلِكَ إِنْ أُرِيدَ بِالْأَنْبِيَاءِ الْمَجَازُ، وَهُوَ: أُمَمُهُمْ، يَكُونُ إِيتَاؤُهُمُ الْكِتَابَ كَوْنُهُ تَعَالَى جَعَلَهُ هَادِيًا لَهُمْ وَدَاعِيًا.
ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ أَيْ: ثُمَّ جَاءَ فِي زَمَانِكُمْ. وَمَعْنَى التَّصْدِيقِ كَوْنُهُ مُوَافِقًا فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّاتِ وَأُصُولِ الشَّرَائِعِ، وَجَمِيعُهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي زَمَانِ كُلِّ نَبِيٍّ شَرْعُهُ وَفِي قَوْلِ: رَسُولٌ، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمِيثَاقَ الْمَأْخُوذَ هُوَ مَا قُرِّرَ فِي الْعُقُولِ مِنَ الدَّلَائِلِ الَّتِي تُوجِبُ الِانْقِيَادَ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَفِي قَوْلِهِ: مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمِيثَاقَ هُوَ شَرْحُهُ لِصِفَاتِ الرَّسُولِ فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ، فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ، وَأَوْجَبَ الْإِيمَانَ أَوَّلًا، وَالنُّصْرَةَ ثَانِيًا، وَهُوَ تَرْتِيبٌ ظَاهِرٌ.
قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي: قَالَ، عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وفي: أقررتم، خُوطِبَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ الْمَأْخُوذُ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ عَلَى الْخِلَافِ، أَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute