للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: كُرْهًا، بِضَمِّ الْكَافِ، وَالْجُمْهُورُ بِفَتْحِهَا.

وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ تَهْدِيدٌ عَظِيمٌ لِمَنِ اتَّبَعَ وَابْتَغَى غَيْرَ دِينِ اللَّهِ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الرُّجُوعِ إِلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَهُ أَسْلَمَ فَيَكُونُ مُشَارِكًا لَهُ فِي الْحَالِيَّةِ، وَكَأَنَّهُ نَعَى عَلَيْهِمُ ابْتِغَاءَ غَيْرِ دِينِ مَنِ انْقَادَ إِلَيْهِ الْمُكَلَّفُونَ كُلُّهُمْ وَمَنْ إِلَيْهِ مَرْجِعُهُمْ، فَيُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ كَانَ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ لَا يَبْتَغِي دِينًا غَيْرَ دِينِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا وَإِخْبَارًا بِأَنَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ مَصِيرُهُمْ وَمُنْقَلَبُهُمْ فَيُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ.

وَقَرَأَ حَفْصٌ، وَعَبَّاسٌ، وَيَعْقُوبُ، وَسَهْلٌ: يَرْجِعُونَ، بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى غَيْرِ ضَمِيرِ يَبْغُونَ، فَيَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِفَاتِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: تَبْغُونَ، بِالتَّاءِ إِذْ يَكُونُ قَدِ انْتَقَلَ مِنْ خِطَابٍ إِلَى غَيْبَةٍ.

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: بِالتَّاءِ، فَإِنْ عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى مَنْ كَانَ الْتِفَاتًا، أَوْ عَلَى ضَمِيرِ: تَبْغُونَ، كَانَ الْتِفَاتًا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: يَبْغُونَ، بِالْيَاءِ، أَوْ يَكُونُ قَدِ انْتَقَلَ مِنْ غَيْبَةٍ إِلَى خِطَابٍ.

قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ هَذِهِ الْآيَةُ مُوَافِقَةٌ لِمَا فِي الْبَقَرَةِ إِلَّا فِي: قُلْ، وَفِي: عَلَيْنَا، وَفِي: عِيسَى وَالنَّبِيُّونَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ مَا فِي الْبَقَرَةِ فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا، إِلَّا مَا وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ، فَنَقُولُ: الظَّاهِرُ فِي: قُلْ، أَنَّهُ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمِرَ أَنْ يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أُمَّتِهِ بِقَوْلِهِ: آمَنَّا بِهِ، وَيُقَوِّي أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْهُ وَعَنْ أُمَّتِهِ قَوْلُهُ أَخِيرًا: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. وَأَفْرَدَهُ بِالْخِطَابِ بِقَوْلِهِ:

قُلْ، لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي أَخْذِ الْمِيثَاقِ فِي قوله: ثم جاءكم رسول، فَعَيَّنَهُ فِي هَذَا التَّكْلِيفِ لِيُظْهِرَ فِيهِ كَوْنَهُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ. وَقَالَ: آمَنَّا، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ هَذَا التَّكْلِيفَ لَيْسَ مِنْ خَوَاصِّهِ، بَلْ هُوَ لَازِمٌ لِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ تَعَالَى: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ «١» بَعْدَ قَوْلِهِ: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ «٢» .

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْمَرَ بِأَنْ يَتَكَلَّمَ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا يَتَكَلَّمُ الْمُلُوكُ إِجْلَالًا مِنَ اللَّهِ لِقَدْرِ نَبِيِّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْمَعْنَى قُلْ يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ وَأُمَّتُكَ: آمَنَّا بِاللَّهِ، فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَطِيَّةَ أَنَّ ثَمَّ مَعْطُوفًا حُذِفَ، وَأَنَّ ثَمَّ الْأَمْرَ مُتَوَجَّهٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته.


(٢- ١) سورة البقرة: ٢/ ٢٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>