للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُ الْآخَرِ:

كَيْفَ نَوْمِي عَلَى الْفِرَاشِ وَلَمَّا ... يَشْمَلُ الشَّامَ غَارَةٌ شَعْوَاءُ؟

وَالْهِدَايَةُ هُنَا هِيَ إِلَى الْإِيمَانِ وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَأَبْعَدَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَعْنَى: لَا يَهْدِيهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ إِلَّا إِنْ تَجَوَّزَ، فَأَطْلَقَ الْمُسَبِّبَ عَلَى السَّبَبِ، لِأَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ مُسَبَّبٌ عَنِ الْإِيمَانِ، فَيَعُودُ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.

وَشَهِدُوا: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: كَفَرُوا، وَبِهِ قال الحوفي، وابن عطية، وَرَدَّهُ مَكِّيٌّ. وَقَالَ: لَا يَجُوزُ عَطْفُ: شَهِدُوا، عَلَى: كَفَرُوا، لِفَسَادِ الْمَعْنَى، وَلَمْ يُبَيِّنْ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ فَسَادُ الْمَعْنَى، وَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ التَّرْتِيبَ، فَلِذَلِكَ فَسَدَ الْمَعْنَى عِنْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْمَعْنَى مَفْهُومٌ أَنَّ الشَّهَادَةَ قبل الكفر، و: الواو، لَا تُرَتِّبُ، وَأَجَازَ قَوْمٌ مِنْهُمْ: مَكِّيٌّ، وَالزَّمَخْشَرِيُّ:

أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى: ما فِي إِيمَانِهِمْ، مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ، إِذِ الْمَعْنَى: بَعْدَ أَنْ آمَنُوا وَشَهِدُوا. وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنْ تَكُونَ: الواو، للحال لا للعطف، التَّقْدِيرُ: كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَقَدْ شَهِدُوا، وَالْعَامِلُ فِيهِ: كَفَرُوا.

وَالرَّسُولُ هُنَا: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ الْجُمْهُورُ، وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ هُنَا بِمَعْنَى الرِّسَالَةِ، وَفِيهِ بُعْدٌ.

وَالْبَيِّنَاتُ: هِيَ شَوَاهِدُ الْقُرْآنِ، وَالْمُعْجِزَاتِ الَّتِي تَأْتِي بِمِثْلِهَا الْأَنْبِيَاءُ.

وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أَيْ: لَا يَخْلُقُ في قلوبهم الهداية. و: الظالمين، عَامٌّ مَعْنَاهُ الْخُصُوصُ أَيْ: لَا يَهْدِي مَنْ قَضَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْكُفْرِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْإِخْبَارَ عَنْ أَنَّ الظَّالِمَ فِي ظُلْمِهِ لَيْسَ عَلَى هُدًى مِنَ اللَّهِ، فَتَجِيءُ الْآيَةُ عَامَّةً تَامَّةَ الْعُمُومِ. انْتَهَى. وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ يَنْبُو عَنْهُ لَفْظُ الْآيَةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

الظَّالِمِينَ، الْمُعَانِدِينَ الَّذِينَ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ اللُّطْفَ لَا يَنْفَعُهُمُ. انْتَهَى. وَتَفْسِيرُهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ الِاعْتِزَالِيَّةِ.

أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خالِدِينَ فِيها لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ. وَتَوْجِيهُ قِرَاءَةِ الْحَسَنِ: وَالنَّاسُ أَجْمَعُونَ، فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، إِلَّا أَنَّ هُنَا أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَيْ: جَزَاءُ كُفْرِهِمْ، وَهُنَاكَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ «١» ، لِأَنَّ هناك جاء الإخبار


(١) المقصودة الآية ١٦١ من سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>