للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونَ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَالْأَمْنُ عَطْفَ بَيَانٍ وَقَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً: إِمَّا ابْتِدَائِيَّةٌ، وَإِمَّا شَرْطِيَّةٌ؟ قُلْتُ: أَجَزْتُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. لِأَنَّ قوله: «ومن دخله كان آمِنًا» دَلَّ عَلَى أَمْنِ دَاخِلِهِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فِيهِ آيات بينات مقام إبراهيم، وَأَمْنُ دَاخِلِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّكَ لَوْ قُلْتَ فِيهِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا صَحَّ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فِيهِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ أَمْنُ مَنْ دَخَلَهُ انْتَهَى سُؤَالُهُ وَجَوَابُهُ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ. لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ وَأَمْنُ الدَّاخِلِ، هُوَ مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفَسَّرَ بِهِمَا الْآيَاتِ. وَالْجُمْلَةُ مِنْ قوله: ومن دخله كان آمِنًا لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ، فَتَدَافَعَا إِلَّا إِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ مَعْطُوفٌ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، فَيُمْكِنُ التَّوْجِيهُ. فَلَا يُجْعَلُ قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا فِي مَعْنَى: وَأَمْنِ دَاخِلِهِ، إِلَّا من حيث تَفْسِيرَ الْمَعْنَى لَا تَفْسِيرَ الْإِعْرَابِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَيُطْوَى ذِكْرُ غَيْرِهِمَا دَلَالَةً عَلَى تَكَاثُرِ الْآيَاتِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فِيهِ آيات بينات مقام إبراهيم وَأَمْنُ مَنْ دَخَلَهُ وَكَثِيرٌ سِوَاهُمَا. وَنَحْوُهُ فِي طَيِّ الذِّكْرِ قَوْلُ جَرِيرٍ:

كَانَتْ حَنِيفَةُ أَثْلَاثًا فَثُلُثُهُمُ ... مِنَ الْعَبِيدِ وَثُلُثٌ مِنْ مَوَالِيهَا

وَمِنْهُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثٌ: الطِّيبُ، وَالنِّسَاءُ، وَقُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةُ»

انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِيهِ حَذْفُ مَعْطُوفَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي إِعْرَابِ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا أَنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ لِقَوْلِهِ: آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ. وَرُدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، لِأَنَّ آيات نكرة، ومقام إِبْرَاهِيمَ مَعْرِفَةٌ، وَلَا يَجُوزُ التَّخَالُفُ فِي عَطْفِ الْبَيَانِ. وَقَوْلُهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ، فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. وَحُكْمُ عَطْفِ الْبَيَانِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ حُكْمُ النَّعْتِ، فَتَتْبَعُ النَّكِرَةُ النَّكِرَةَ وَالْمَعْرِفَةُ الْمَعْرِفَةَ، وَقَدْ تَبِعَهُمْ فِي ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ. وَأَمَّا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يَكُونَا مَعْرِفَتَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا نَكِرَتَيْنِ. وَمَا أَعْرَبَهُ الْكُوفِيُّونَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ: عَطْفُ بَيَانٍ وَهُوَ نَكِرَةٌ عَلَى النَّكِرَةِ قَبْلَهُ، أَعْرَبَهُ الْبَصْرِيُّونَ بَدَلًا، وَلَمْ يَقُمْ لَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ عَطْفِ الْبَيَانِ فِي النَّكِرَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ. وَالْأَوْلَى وَالْأَصْوَبُ في إعراب مقام إبراهيم أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: أَحَدُهَا: أَيْ أَحَدُ تِلْكَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ. أَوْ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ تَقْدِيرُهُ مِنْهَا: أَيْ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ. وَيَكُونُ ذِكْرُ الْمَقَامِ لِعِظَمِهِ وَلِشُهْرَتِهِ عِنْدَهُمْ، وَلِكَوْنِهِ مُشَاهَدًا لَهُمْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلِإِذْكَارِهِ إِيَّاهُمْ دِينَ أَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ. وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: آيَةٌ بَيِّنَةٌ بِالتَّوْحِيدِ، فَإِعْرَابُهُ بَدَلٌ، وَهُوَ بَدَلُ مَعْرِفَةٍ مِنْ نَكِرَةٍ مَوْصُوفَةٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>