للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَالٌ مِنْ إِخْوَانًا لِأَنَّهُ صِفَةٌ لَهُ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِ، أَوِ الْعَامِلُ فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى تَآخَيْتُمْ بِنِعْمَتِهِ. وَأَنْ يَكُونَ أَصْبَحْتُمْ تامة، وبنعمته مُتَعَلِّقٌ بِهِ، أَوْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ أَصْبَحْتُمْ أَوْ مِنْ إِخْوَانًا، وإخوانا حَالٌ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أصبح ناقصة وإخوانا خبر، وبنعمته متعلق بأصبحتم، وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِ لَا ظَرْفِيَّةٍ.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْأَخُ فِي الدِّينِ يُجْمَعُ إِخْوَانًا، وَمِنَ النَّسَبِ إِخْوَةٌ، هَكَذَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ «١» وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يُقَالَانِ مِنَ النَّسَبِ. وَفِي الدِّينِ: وَجَمْعُ أَخٍ عَلَى إِخْوَةٍ لَا يَرَاهُ سِيبَوَيْهِ، بَلْ إِخْوَةٌ عِنْدَهُ اسْمُ جَمْعٍ، لِأَنَّ فِعْلًا لا يُجْمَعُ عَلَى فِعْلَةٍ. وَابْنُ السَّرَّاجِ يَرَى فِعْلَةً إِذَا فُهِمَ مِنْهُ الْجَمْعُ اسْمُ جَمْعٍ، لِأَنَّ فِعْلَةً لَمْ يَطَّرِدْ جَمْعًا لِشَيْءٍ. وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهَا عَائِدٌ عَلَى النَّارِ، وَهُوَ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ، أَوْ عَلَى الْحُفْرَةِ. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَالَ: يَعُودُ عَلَى الشَّفَا، وَأُنِّثَ مِنْ حَيْثُ كَانَ الشَّفَا مُضَافًا إِلَى مُؤَنَّثٍ. كَمَا قَالَ جَرِيرٌ:

أَرَى مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مِنِّي ... كَمَا أَخَذَ السِّرَارُ مِنَ الْهِلَالِ

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرُوا، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي الْآيَةِ إِلَى هَذِهِ الصِّنَاعَةِ إِلَّا لَوْ لَمْ يَجِدْ مَعَادًا لِلضَّمِيرِ إِلَّا الشَّفَا. وَهُنَا مَعَنَا لَفْظُ مُؤَنَّثٍ يَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَيْهِ، وَيُعَضِّدُهُ الْمَعْنَى الْمُتَكَلَّمُ فِيهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تِلْكَ الصِّنَاعَةِ انْتَهَى. وَأَقُولُ: لَا يَحْسُنُ عَوْدُهُ إِلَّا عَلَى الشَّفَا، لِأَنَّ كَيْنُونَتَهُمْ عَلَى الشَّفَا هو أحد جزئي الْإِسْنَادِ، فَالضَّمِيرُ لَا يَعُودُ إِلَّا عَلَيْهِ. وَأَمَّا ذِكْرُ الْحُفْرَةِ فَإِنَّمَا جَاءَتْ عَلَى سَبِيلِ الْإِضَافَةِ إِلَيْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: كَانَ زَيْدٌ غُلَامَ جَعْفَرٍ، لَمْ يَكُنْ جَعْفَرٌ مُحَدِّثًا عنه، وليس أحد جزئي الْإِسْنَادِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قُلْتَ: ضَرَبَ زَيْدٌ غُلَامَ هِنْدٍ، لَمْ تَحَدَّثْ عَنْ هِنْدٍ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتَ جَعْفَرًا وَهِنْدًا مُخَصِّصًا لِلْمُحَدَّثِ عَنْهُ. أَمَّا ذِكْرُ النَّارِ. فَإِنَّمَا جِيءَ بِهَا لِتَخْصِيصِ الْحُفْرَةِ، وليست أيضا أحد جزئي الْإِسْنَادِ، لَا مُحَدَّثًا عَنْهَا. وَأَيْضًا فَالْإِنْقَاذُ مِنَ الشَّفَا أَبْلَغُ مِنَ الْإِنْقَاذِ مِنَ الْحُفْرَةِ وَمِنَ النَّارِ، لِأَنَّ الْإِنْقَاذَ مِنْهُ يَسْتَلْزِمُ الْإِنْقَاذَ مِنَ الْحُفْرَةِ وَمِنَ النَّارِ، وَالْإِنْقَاذُ مِنْهُمَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِنْقَاذَ مِنَ الشَّفَا. فَعَوْدُهُ عَلَى الشَّفَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. وَمُثِّلَتْ حَيَاتُهُمُ الَّتِي يُتَوَقَّعُ بَعْدَهَا الْوُقُوعُ فِي النَّارِ بِالْقُعُودِ عَلَى جُرْفِهَا مُشْفِينَ عَلَى الْوُقُوعِ فِيهَا. وَقِيلَ: شَبَّهَ تَعَالَى كُفْرَهُمُ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ وَحَرْبَهُمُ الْمَدِينَةَ مِنَ الْمَوْتِ بِالشَّفَا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْقُطُونَ فِي جَهَنَّمَ دَأَبًا، فَأَنْقَذَهُمُ الله


(١) سورة الحجرات: ٤٩/ ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>