للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ عَطَاءٌ: وُجُوهُ الْمُخْلِصِينَ، وَوُجُوهُ الْمُنَافِقِينَ. وَقِيلَ: وُجُوهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَوُجُوهُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ. وَقِيلَ: وُجُوهُ الْمُجَاهِدِينَ، وَوُجُوهُ الْفُرَّارِ مِنَ الزَّحْفِ. وَقِيلَ: تَبْيَضُّ بِالْقَنَاعَةِ، وَتَسْوَدُّ بِالطَّمَعِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: تَسْفُرُ وُجُوهُ مَنْ قَدَرَ عَلَى السُّجُودِ إِذَا دُعُوا إِلَيْهِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ.

وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ ابْيِضَاضِ الْوُجُوهِ وَاسْوِدَادِهَا، فَقِيلَ: وَقْتُ الْبَعْثِ مِنَ الْقُبُورِ.

وَقِيلَ: وَقْتُ قِرَاءَةِ الصُّحُفِ. وَقِيلَ: وَقْتُ رُجْحَانِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ فِي الْمِيزَانِ. وَقِيلَ:

عِنْدَ قَوْلِهِ: وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ «١» . وَقِيلَ: وَقْتُ أَنْ يُؤْمَرَ كُلُّ فَرِيقٍ بِأَنْ يَتْبَعَ مَعْبُودَهُ.

وَالْعَامِلُ فِي يَوْمَ تَبْيَضُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ أَيْ وَعَذَابٌ عَظِيمٌ كَائِنٌ لَهُمْ يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: الْعَامِلُ، فِيهِ مَحْذُوفٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ السَّابِقَةُ، أَيْ:

يُعَذَّبُونَ يوم تبيض وجوه. وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: بِإِضْمَارِ اذْكُرُوا، أَوْ بِالظَّرْفِ وَهُوَ لَهُمْ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْعَامِلُ عَظِيمٌ، وَضَعُفَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ عِظَمَ الْعَذَابِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ عَذَابٌ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ قَدْ وُصِفَ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ، وَأَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ، وَأَبُو نَهِيكٍ: تَبْيَضُّ وَتَسْوَدُّ بِكَسْرِ التَّاءِ فِيهِمَا، وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ: وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ: تَبْيَاضُّ وَتَسْوَادُّ بِأَلِفٍ فِيهِمَا. وَيَجُوزُ كَسْرُ التَّاءِ فِي تَبْيَاضُّ وَتَسْوَادُّ، وَلَمْ ينقل أنه قرىء بِذَلِكَ.

فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ، أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ هَذَا تَفْصِيلٌ لِأَحْكَامِ مَنْ تَبْيَضُّ وُجُوهُهُمْ وَتَسْوَدُّ. وَابْتُدِئَ بِالَّذِينِ اسْوَدَّتْ لِلِاهْتِمَامِ بِالتَّحْذِيرِ مِنْ حَالِهِمْ، وَلِمُجَاوَرَةِ قَوْلِهِ: وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، وَلِلِابْتِدَاءِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَالِاخْتِتَامِ بِحُكْمِهِمْ. فَيَكُونُ مَطْلَعُ الْكَلَامِ وَمَقْطَعُهُ شَيْئًا يَسُرُّ الطَّبْعَ، وَيَشْرَحُ الصَّدْرَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَمَّا فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ وَأَنَّهَا حَرْفُ شَرْطٍ يَقْتَضِي جَوَابًا، وَلِذَلِكَ دَخَلَتِ الْفَاءِ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ بَعْدَهَا، وَالْخَبَرُ هُنَا مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: فَيُقَالُ لَهُمْ: أَكَفَرْتُمْ؟ كَمَا حُذِفَ الْقَوْلُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ «٢» أَيْ يَقُولُونَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. وَلَمَّا حُذِفَ الْخَبَرُ حُذِفَتِ الْفَاءُ، وَإِنْ كَانَ حَذْفُهَا فِي غَيْرِ هَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ نحو قوله:


(١) سورة يس: ٣٦/ ٥٩.
(٢) سورة الرعد: ١٣/ ٢٣- ٢٤. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>