للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْإِسْلَامِ، وَلِذَلِكَ سَأَلَ هَذِهِ الرُّتْبَةَ بَعْضُ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ سُلَيْمَانَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ: وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ «١» وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ «٢» وَقَالَ تَعَالَى: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ «٣» وَقَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ إِسْمَاعِيلَ: وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ. وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ «٤» . وَقَالَ: وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ «٥» ومن لِلتَّبْعِيضِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَحْسُنُ أَنْ تَكُونَ لِبَيَانِ الْجِنْسِ انْتَهَى. وَلَمْ يَتَقَدَّمْ شَيْءٌ فِيهِ إِبْهَامٌ فَيَبِينَ جِنْسُهُ.

وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ بِالتَّاءِ فِيهِمَا عَلَى الْخِطَابِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُخَاطَبِ. فَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ مَرْدُودٌ إِلَى قوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ «٦» فَيَكُونُ مِنْ تَلْوِينِ الْخِطَابِ وَمَعْدُولِهِ. وَقَالَ مَكِّيٌّ: التَّاءُ فِيهَا عُمُومٌ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ.

وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا الْتِفَاتٌ إِلَى قَوْلِهِ: أُمَّةٌ قَائِمَةٌ، لَمَّا وَصَفَهُمْ بِأَوْصَافٍ جَلِيلَةٍ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ تَأْنِيسًا لَهُمْ وَاسْتِعْطَافًا عَلَيْهِمْ، فَخَاطَبَهُمْ بِأَنَّ مَا تَفْعَلُونَ مِنَ الْخَيْرِ فَلَا تُمْنَعُونَ ثَوَابَهُ. وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ خَيْرٍ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ عَطْفٍ عَلَيْهِمْ وَتَرَحُّمٍ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الشَّرِّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَا يُفْعَلُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَوْعُودُهُ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِالْتِفَاتَ وَأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى أُمَّةٌ قَائِمَةٌ قِرَاءَةُ الْيَاءِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَمْزَةَ، وَالْكِسَائِيِّ، وَحَفْصٍ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَاخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَبَاقِي رُوَاةِ أَبِي عَمْرٍو، خَيَّرَ بَيْنَ التَّاءِ وَالْيَاءِ، وَمَعْلُومٌ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، أَنْ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى أُمَّةٌ قَائِمَةٌ، كَمَا عَادَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَتْلُونَ وَمَا بَعْدَهُ. وَكَفَرَ: يَتَعَدَّى إِلَى وَاحِدٍ، يُقَالُ: كَفَرَ النِّعْمَةَ، وَهُنَا ضَمَّنَ مَعْنَى حَرَمَ، أَيْ: فَلَنْ تُحْرَمُوا ثَوَابَهُ، وَلَمَّا جَاءَ وَصْفُهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ شَكُورٌ فِي مَعْنَى تَوْفِيَةِ الثَّوَابِ، نَفَى عَنْهُ تَعَالَى نَقِيضَ الشُّكْرِ وَهُوَ كُفْرُ الثَّوَابِ، أَيْ حِرْمَانُهُ.

وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ لَمَّا كَانَتِ الْآيَةُ وَارِدَةً فِيمَنِ اتُّصِفَ بِالْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ، وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يُثِيبُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ نَاسَبَ خَتْمَ الْآيَةِ بِذِكْرِ عِلْمِهِ بِالْمُتَّقِينَ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْمُتَّقِينَ وَبِضِدِّهِمْ. وَمَعْنَى عَلِيمٌ بِهِمْ: أَنَّهُ مُجَازِيهِمْ عَلَى تَقْوَاهُمْ، وَفِي ذَلِكَ وَعْدٌ لِلْمُتَّقِينَ، وَوَعِيدٌ للمفرطين.


(١) سورة النمل: ٢٧/ ١٩.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ١٣٠.
(٣) سورة الأنبياء: ٢١/ ٧٢.
(٤) سورة الأنبياء: ٢١/ ٨٥- ٨٦.
(٥) سورة النساء: ٤/ ٦٩.
(٦) سورة آل عمران: ٣/ ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>