للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقْوَالِهِمْ، فَجَمَعُوا بَيْنَ كَرَاهَةِ الْقُلُوبِ وَبَذَاذَةِ الْأَلْسُنِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ مَا أَبَطَنُوهُ مِنَ الشَّرِّ وَالْإِيذَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْبُغْضِ لَهُمْ أَعْظَمُ مِمَّا ظَهَرَ مِنْهُمْ فَقَالَ:

وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ أَيْ أَكْثَرُ مِمَّا ظَهَرَ مِنْهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ بُدُوَّ الْبَغْضَاءِ مِنْهُمْ هُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ أَظْهَرُوا لِلْمُؤْمِنِينَ الْبُغْضَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ لِأَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّارِ لِاطِّلَاعِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: بَدَتْ بِإِقْرَارِهِمْ بَعْدَ الْجُحُودِ، وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُجَاهِرِ. وَأَسْنَدَ الْإِخْفَاءَ إِلَى الصُّدُورِ مَجَازًا، إِذْ هِيَ مَحَالُّ الْقُلُوبِ الَّتِي تُخْفَى كَمَا قَالَ: فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ «١» .

قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ أَيِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْإِخْلَاصِ فِي الدِّينِ، وَمُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمُعَادَاةِ الْكُفَّارِ.

إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ أَيْ مَا بَيَّنَ لَكُمْ فَعَمِلْتُمْ بِهِ، أَوْ إِنْ كُنْتُمْ عُقَلَاءَ وَقَدْ عَلِمَ تَعَالَى أَنَّهُمْ عُقَلَاءُ، لَكِنْ عَلَّقَهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ عَلَى سَبِيلِ الْهَزِّ لِلنُّفُوسِ، كَقَوْلِكَ: إِنْ كُنْتَ رَجُلًا فَافْعَلْ كَذَا. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَعْنَاهُ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ. وَقِيلَ: إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فَلَا تُصَافُوهُمْ، بَلْ عَامِلُوهُمْ مُعَامَلَةَ الْأَعْدَاءِ. وَقِيلَ: مَعْنَى إِنْ مَعْنَى إِذْ أَيْ إِذْ كُنْتُمْ عُقَلَاءَ.

هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ تَقَدَّمَ لَنَا الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِهَا، أَنْتُمْ أُولَاءِ فِي قَوْلِهِ: هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ «٢» قِرَاءَةً وَإِعْرَابًا. وَتَلْخِيصُهُ هُنَا أَنْ يَكُونَ أُولَاءِ خَبَرًا عَنْ أَنْتُمْ، وَتُحِبُّونَهُمْ مُسْتَأْنَفٌ أَوْ حَالٌ أَوْ صِلَةٌ، عَلَى أَنْ يَكُونَ أُولَاءِ موصولا أو خبرا لأنتم، وأولاء منادا، أَوْ يَكُونَ أُولَاءِ مُبْتَدَأً ثانيا، وتحبونهم خَبَرٌ عَنْهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ عَنِ الْأَوَّلِ. أَوْ يَكُونَ أُولَاءِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ نَحْوَ: أَنَا زَيْدًا ضَرَبْتُهُ، فَيَكُونُ مِنَ الِاشْتِغَالِ.

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَاقِعٌ عَلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ أَنْتُمْ، لِأَنَّ أَنْتُمْ خطاب للمؤمنين، وأولاء إِشَارَةٌ إِلَى الْكَافِرِينَ. وَفِي الْأَوْجُهِ السَّابِقَةِ مَدْلُولُهُ وَمَدْلُولُ أَنْتُمْ وَاحِدٌ.

وَهُوَ: الْمُؤْمِنُونَ. وَعَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِئْنَافِ فِي تُحِبُّونَهُمْ، لَا يَنْعَقِدُ مِمَّا قَبْلَهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ إِلَّا بِإِضْمَارِ وَصْفٍ تَقْدِيرُهُ: أَنْتُمْ أُولَاءِ الْخَاطِئُونَ فِي مُوَالَاةِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ. بَيَانٌ لِخَطَئِهِمْ فِي مُوَالَاتِهِمْ حَيْثُ يَبْذُلُونَ الْمَحَبَّةَ لِمَنْ يَبْغَضُهُمْ، وَضَمِيرُ المفعول


(١) سورة الحج: ٢٢/ ٤٦.
(٢) سورة آل عمران: ٣/ ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>