للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَهَا أَنَّهُ لَمَّا نَهَاهُمْ عن اتخاذ بطانة من الْكُفَّارِ وَوَعَدَهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ صَبَرُوا وَاتَّقَوْا فَلَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ. ذَكَّرَهُمْ بِحَالَةٍ اتَّفَقَ فِيهَا بَعْضٌ طَوَاعِيَةً، وَاتِّبَاعٌ لِبَعْضِ الْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ مَا جَرَى يَوْمَ أُحُدٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ حِينَ انْخَذَلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاتَّبَعَهُ فِي الِانْخِذَالِ ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَفِيهَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا، وَهُوَ قَوْلُ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ هَذَا الْغُدُوُّ فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ. وَهُوَ قَوْلُ: مُجَاهِدٍ، وَمُقَاتِلٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. لِأَنَّ يَوْمَ الْأَحْزَابِ كَانَ فِيهِ ظَفْرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَجِرِ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ بَلْ قِصَّتَاهُمَا مُتَبَايِنَتَانِ. وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: كَانَ هَذَا الْغُدُوُّ يَوْمَ بَدْرٍ. وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ قِصَّةَ غَزْوَةِ أُحُدٍ وَهِيَ مُسْتَوْعَبَةٌ فِي كُتُبِ السِّيَرِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَلْفَاظِ الْآيَةِ بَعْضَ تَعَلُّقٍ عِنْدَ تَفْسِيرِهَا. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَإِذْ غَدَوْتَ، خُرُوجُهُ غُدْوَةً مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ. وَفُسِّرَ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ مِنْ حُجْرَةِ عَائِشَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُدْوَةً حِينَ اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَمِنْ مُشِيرٍ بِالْإِقَامَةِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ إِلَى الْقِتَالِ. وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ إن جاؤوا قَاتَلُوهُمْ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ رأيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنْ مُشِيرٍ بِالْخُرُوجِ وَهُمْ: جَمَاعَةٌ مِنْ صَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ فَاتَتْهُمْ وَقْعَةُ بَدْرٍ وَتَبْوِئَةُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ، عَلَى هَذَا الْقَوْلِ هُوَ أَنْ يقسم أفطار الْمَدِينَةِ عَلَى قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ. وَقِيلَ: غُدُوُّهُ هُوَ نُهُوضُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَتَبْوِئَتُهُ فِي وَقْتِ حُضُورِ الْقِتَالِ. وَسَمَّاهُ غُدُوًّا إِذْ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَيْهِ غُدْوَةً. وَقِيلَ: غُدُوُّهُ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ لِلْقِتَالِ. وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ مُوَافِقَةً لِلْغُدُوِّ وَكَأَنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ، وَالْعَامِلُ فِي إذا ذكر.

وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا «١» أَيْ وَآيَةٌ إِذْ غَدَوْتَ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ. وَلَوْلَا أَنَّهُ مَسْطُورٌ فِي الْكُتُبِ مَا ذَكَرْتُهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ مِنْ فِي مَعْنَى مَعَ، أَيْ: وَإِذْ غَدَوْتَ مَعَ أَهْلِكَ. وَهَذِهِ تَخْرِيجَاتٌ يَقُولُهَا وَيَنْقُلُهَا عَلَى سَبِيلِ التَّجْوِيزِ مَنْ لَا بَصَرَ لَهُ بِلِسَانِ العرب. ومعنى تبوىّء: تُنَزِّلُ، مِنَ الْمَبَاءَةِ وَهِيَ الْمَرْجِعُ وَمِنْهُ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً «٢» فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

كَمْ صَاحِبٍ لِي صَالِحٌ ... بَوَّأْتُهُ بِيَدَيَّ لَحْدَا

وَقَالَ الْأَعْشَى:

وَمَا بَوَّأَ الرَّحْمَنُ بَيْتَكَ مَنْزِلًا ... بِشَرْقِيِّ أَجْيَادِ الصفا والمحرم


(١) سورة آل عمران: ٣/ ١٣.
(٢) سورة العنكبوت: ٢٩/ ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>