أَهْمَلُوا الشَّرْطَ لَمْ يَحْصُلِ الْمَشْرُوطُ انْتَهَى. وَلَا خَفَاءَ بِضَعْفِ هَذَا الْجَوَابِ. قَالَ الضَّحَّاكُ:
كَانَ هَذَا الْوَعْدُ وَالْمَقَالَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَفَرَّ النَّاسُ وَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ فَلَمْ يَهْدِهِمُ اللَّهُ، وَإِنَّمَا مُدُّوا يَوْمَ بَدْرٍ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَمْ يَصْبِرُوا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَمْ يَصْبِرُوا، وَلَمْ يَتَّقُوا يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ يَمُدُّوا. وَلَوْ مَدُّوا لَمْ يَنْهَزِمُوا. وَكَانَ الْوَعْدُ بِالْإِمْدَادِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَرَجَّحَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَظَاهَرُ اتِّصَالِ الْكَلَامِ. وَلِأَنَّ قِلَّةَ الْعَدَدِ، وَالْعُدَدِ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَانُوا إِلَى تَقْوِيَةِ قُلُوبِهِمْ بِالْوَعْدِ أَحْوَجَ. وَلِأَنَّ الْوَعْدَ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ كَانَ، غَيْرَ مَشْرُوطٍ، فَوَجَبَ حُصُولُهُ. وَإِنَّمَا حَصَلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ أَلْفٍ وَثَلَاثَةِ آلَافٍ كَانَ غَيْرَ مَشْرُوطٍ، فَوَجَبَ حُصُولُهُ، وَإِنَّمَا حَصَلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَنَّهُمْ مُدُّوا أَوَّلًا بِأَلْفٍ، ثُمَّ زِيدَ فِيهِمْ أَلْفَانِ، وَصَارَتْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ. أَوْ مُدُّوا بِأَلْفٍ أَوَّلًا، ثُمَّ بَلَغَهُمْ إِمْدَادُ الْمُشْرِكِينَ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ، فوعدوا بِالْخَمْسَةِ عَلَى تَقْدِيرِ إِمْدَادِ الْكُفَّارِ. فَلَمْ يَمُدَّ الْكُفَّارَ، فَاسْتَغْنَى عَنْ إِمْدَادِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالظَّاهِرُ فِي هَذِهِ الْأَعْدَادِ إِدْخَالُ النَّاقِصِ فِي الزَّائِدِ، فَيَكُونُ وُعِدُوا بِأَلْفٍ، ثُمَّ ضُمَّ إِلَيْهِ أَلْفَانِ، ثُمَّ أَلْفَانِ، فَصَارَ خَمْسَةً. وَمَنْ ضَمَّ النَّاقِصَ إِلَى الزَّائِدِ وَجَعَلَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ أُحُدٍ، فَيَكُونُونَ قَدْ وُعِدُوا بِثَمَانِيَةِ آلَافٍ. أَوْ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ فَيَكُونُونَ قَدْ وُعِدُوا بِتِسْعَةِ آلَافٍ. وَلَمْ تَتَعَرَّضِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ لِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ، وَلَا لِقِتَالِهِمُ الْمُشْرِكِينَ وَقَتْلِهِمْ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي الْآيَةِ. وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الرِّوَايَاتُ وَتَظَافَرَتْ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ حَضَرَتْ بَدْرًا وَقَاتَلَتْ.
ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ. وَلَمَّا لَمْ تَتَعَرَّضُ لَهُ الْآيَةُ لَمْ نُكَثِّرْ كِتَابَنَا بِنَقْلِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ: لَمْ تُمَدَّ الْمُؤْمِنُونَ بِالْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْضُرُ حُرُوبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدَدًا، وَهِيَ تَحْضُرُ حُرُوبَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: وَخَالَفَ النَّاسُ الشَّعْبِيَّ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بن عُمَرَ الرَّازِيُّ مَا نَصُّهُ وَأَجْمَعَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَالسِّيَرِ: عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الْمَلَائِكَةَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَنَّهُمْ قَاتَلُوا الْكُفَّارَ. ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ فَإِنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ، وَذَكَرَ عَنْهُ حُجَجًا ثُمَّ قَالَ: وَكُلُّ هَذِهِ الشُّبَهِ تَلِيقُ بِمَنْ يُنْكِرُ الْقُرْآنَ وَالنُّبُوَّةَ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ نَاطِقَانِ بِذَلِكَ، يَعْنِي بِإِنْزَالِ الْمَلَائِكَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي نُصْرَةِ الْمَلَائِكَةِ. فَقِيلَ:
بِالْقِتَالِ. وَقِيلَ: بِتَقْوِيَةِ نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلْقَاءِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ الْكُفَّارِ. وَالظَّاهِرُ فِي الْمَدَدِ أَنَّهُمْ يُشْرِكُونَ الْجَيْشَ فِي الْقِتَالِ، وَأَنْ يَكُونَ مُجَرَّدَ حُضُورِهِمْ كَافِيًا انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَدَخَلَتْ أَدَاةُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى حَرْفِ النَّفْيِ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ، لِانْتِفَاءِ الْكِفَايَةِ بِهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute