الْوَاحِدَةِ، جَازَ التَّمَادِي وَالتَّأَنِّي بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ، إِذْ هُمَا فِي الْحَقِيقَةِ اثْنَانِ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ تَكْثِيرٌ وَتَنْظِيرٌ بِغَيْرِ مَا يُنَاسِبُ، وَالَّذِي يُنَاسِبُ تَوْجِيهَ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ أَنَّهَا مِنْ إِجْرَاءِ الْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ، أَبْدَلَهَا هَاءً فِي الْوَصْلِ، كَمَا أَبْدَلُوا لَهَا هَاءً فِي الْوَقْفِ، وَمَوْجُودٌ فِي كَلَامِهِمْ إِجْرَاءِ الْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ، وَإِجْرَاءُ الْوَقْفِ مَجْرَى الْوَصْلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:
لَكِنْ قَدْ جَاءَ نَحْوُ هَذَا لِلْعَرَبِ فِي مَوَاضِعَ، وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ إِشْبَاعِ الْحَرَكَةِ.
وَإِشْبَاعُ الْحَرَكَةِ لَيْسَ نَحْوَ إِبْدَالِ التَّاءِ هَاءً فِي الْوَصْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: ثَلَاثَهَ ارْبَعَهْ، أَبْدَلَ التَّاءَ هَاءً، ثُمَّ نَقَلَ حَرَكَةَ هَمْزَةِ أَرْبَعَةٍ إِلَيْهَا، وَحَذَفَ الْهَمْزَةَ، فَأَجْرَى الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ فِي الْإِبْدَالِ. وَلِأَجْلِ الْوَصْلِ نُقِلَ إِذْ لَا يَكُونُ هَذَا النَّقْلُ إِلَّا فِي الْوَصْلِ.
وقرىء شاذا بثلاثة آلاف بتسكين التَّاءِ فِي الْوَصْلِ، أَجْرَاهُ مَجْرَى الْوَقْفِ. وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ التَّاءِ السَّاكِنَةِ أَهِيَ بَدَلٌ مِنَ الْهَاءِ الَّتِي يُوقَفُ عَلَيْهَا أَمْ تَاءُ التَّأْنِيثِ هِيَ؟ وَهِيَ الَّتِي يُوقَفُ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ كَمَا هِيَ؟ وَهِيَ لُغَةٌ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مُنْزَلِينَ بِالتَّخْفِيفِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَابْنُ عَامِرٍ بِالتَّشْدِيدِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أَيْضًا، وَالْهَمْزَةُ وَالتَّضْعِيفُ لِلتَّعْدِيَةِ فَهُمَا سِيَّانِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: مُنَزِّلِينَ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ وَكَسْرِهَا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَبَعْضُ الْقُرَّاءِ بِتَخْفِيفِهَا وَكَسْرِهَا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَيْضًا، وَالْمَعْنَى: يُنْزِلُونَ النَّصْرَ.
إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ رَتَّبَ تَعَالَى عَلَى مَجْمُوعِ الصَّبْرِ وَالتَّقْوَى وَإِتْيَانِ الْعَدَدِ مِنْ فَوْرِهِمْ إِمْدَادَهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِأَكْثَرِ مِنَ الْعَدَدِ السَّابِقِ وَعَلَّقَهُ عَلَى وُجُودِهَا، بِحَيْثُ لَا يَتَأَخَّرُ نُزُولُ الْمَلَائِكَةِ عَنْ تَحَلِّيهِمْ بِثَلَاثَةِ الْأَوْصَافِ. وَمَعْنَى مِنْ فَوْرِهِمْ: مِنْ سَفَرِهِمْ. هَذَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. أَوْ مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا قَالَهُ: الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ. قِيلَ: وَهِيَ لُغَةُ هُذَيْلٍ، وَقَيْسٍ، وَغَيْلَانَ، وَكِنَانَةَ: أَوْ من غصبهم هَذَا قَالَهُ: مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَأَبُو صَالِحٍ مَوْلَى أم هانىء أَوْ مَعْنَاهُ فِي نَهْضَتِهِمْ هَذِهِ قَالَهُ: ابْنُ عَطِيَّةَ. أَوْ الْمَعْنَى مِنْ سَاعَتِهِمْ هَذِهِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
وَلَفْظَةُ الْفَوْرِ تَدُلُّ عَلَى السُّرْعَةِ وَالْعَجَلَةِ. تَقُولُ: افْعَلْ هَذَا عَلَى الْفَوْرِ، لَا عَلَى التَّرَاخِي. وَمِنْهُ الْفَوْرُ فِي الْحَجِّ وَالْوُضُوءِ. وَفِي إِسْنَادِ الْإِمْدَادِ إِلَى لَفْظَةِ رَبِّكُمْ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ إِشْعَارٌ بِحُسْنِ النَّظَرِ لَهُمْ، وَاللُّطْفِ بِهِمْ.
وَقَرَأَ الصَّاحِبَانِ وَالْأَخَوَانِ مُسَوَّمِينَ بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute