للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَنَّتِي بِغَيْرِ عَمَلٍ، كَيْفَ أَجُودُ بِرَحْمَتِي عَلَى مَنْ يَبْخَلُ بِطَاعَتِي؟

وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ: طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا عَمَلٍ ذَنْبٌ مِنَ الذُّنُوبِ، وَانْتِظَارُ الشَّفَاعَةِ بِلَا سَبَبٍ نَوْعٌ مِنَ الْغُرُورِ، وَارْتِجَاءُ الرَّحْمَةِ مِمَّنْ لَا يُطَاعُ حُمْقٌ وَجَهَالَةٌ.

وَعَنِ الْحَسَنِ يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: جُوزُوا الصِّرَاطَ بِعَفْوِي، وَادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَاقْتَسِمُوهَا بِأَعْمَالِكُمْ.

وَعَنْ رَابِعَةَ الْبَصْرِيَّةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُنْشِدُ:

تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا ... إِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ

انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ، وَالْبَيْتُ الَّذِي كَانَتْ رَابِعَةُ تُنْشِدُهُ هُوَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ. وَكَلَامُ الزَّمَخْشَرِيِّ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِهِ الاعتزال مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ دُونَ عَمَلٍ لَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ.

وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ الْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ذَلِكَ، أَيِ الْمَغْفِرَةُ وَالْجَنَّةُ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ الْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْكُمُ الْكُفَّارُ يَوْمَ أُحُدٍ فَإِنَّ حُسْنَ الْعَاقِبَةِ لِلْمُتَّقِينَ، وَإِنْ أُدِيلَ الْكُفَّارُ فَالْعَاقِبَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَكَذَلِكُمْ كُفَّارُكُمْ هَؤُلَاءِ عَاقِبَتُهُمْ إِلَى الْهَلَاكِ. وَقَالَ النَّقَّاشُ: الْخِطَابُ لِلْكُفَّارِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَلا تَهِنُوا «١» وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى الْجُمَلَ الْمُعْتَرِضَةَ فِي قِصَّةِ أُحُدٍ عَادَ إِلَى كَمَالِهَا، فَخَاطَبَهُمْ بِأَنَّهُ إِنْ وَقَعَتْ إِدَالَةُ الْكُفَّارِ فَالْعَاقِبَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَالْمَعْنَى: قَدْ تَقَدَّمَتْ وَمَضَتْ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَهْلُ سُنَنٍ أَيْ طَرَائِقَ أَوْ أُمَمٍ، عَلَى شَرْحِ الْمُفَضَّلِ أَنَّ السُّنَّةَ الْأُمَّةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: سُنَّةٌ أَقْضِيَةٌ فِي إِهْلَاكِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ عَادٍ وَثَمُودَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَمْثَالٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَقَائِعُ وَطَلَبُ السَّيْرِ فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَتْ أَحْوَالُ مَنْ تَقَدَّمَ تُدْرَكُ بِالْأَخْبَارِ دُونَ السِّيَرِ. لِأَنَّ الْأَخْبَارَ إِنَّمَا تَكُونُ مِمَّنْ سَارَ وَعَايَنَ، وَعَنْهُ يُنْقَلُ: فَطَلَبَ مِنْهُ الْوَجْهَ الْأَكْمَلَ إِذْ لِلْمُشَاهَدَةِ أَثَرٌ أَقْوَى مِنْ أَثَرِ السَّمَاعِ. وَقِيلَ: السَّيْرُ هُنَا مَجَازٌ عَنِ التَّفَكُّرِ، وَهُوَ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: النَّظَرُ هُنَا مِنْ نَظَرِ الْعَيْنِ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ بِالْفِكْرِ.

وَالْجُمْلَةُ الِاسْتِفْهَامِيَّةُ فِي مَوْضِعِ المفعول لا نظروا لأنها معلقة وَكَيْفَ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ خَبَرِ كَانَ. وَالْمَعْنَى: مَا سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْأُمَمِ الْمُكَذِّبِينَ مِنْ وَقَائِعِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ «٢» وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ «٣» .


(١) سورة آل عمران: ٣/ ١٣٩.
(٢) سورة العنكبوت: ٢٩/ ٤٠.
(٣) سورة الأحزاب: ٣٣/ ٦١- ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>