لِزَيْدٍ أَنْ يَطِيرَ. وَتَارَةً لِكَوْنِهِ مُمْتَنِعًا شَرْعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً «١» وَتَارَةً لِكَوْنِهِ مُمْتَنِعًا أَدَبًا، كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ. وَلَا تَتَضَمَّنُ هَذِهِ الصِّيغَةُ نَهْيًا كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ.
وَقَوْلُهُ: لِنَفْسٍ، الْمُرَادُ الْجِنْسُ لَا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ. وَمَعْنَى: إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، أَيْ بِتَمْكِينِهِ وَتَسْوِيغِهِ ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْإِذْنِ، وَالْأَحْسَنُ فِيهِ أَنَّهُ تَمْكِينٌ مِنَ الشَّيْءِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ، فَإِنِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ قَوْلٌ فَيَكُونُ أَمْرًا. وَالْمَعْنَى: إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِالْقَبْضِ. وأن تَمُوتَ فِي مَوْضِعِ اسْمِ كان، ولنفس هُوَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ. وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ كان رائدة. فَيَكُونُ أَنْ تَمُوتَ فِي مَوْضِعِ مُبْتَدَأٍ، وَلِنَفْسٍ فِي مَوْضِعِ خَبَرِهِ. وَقَدَّرَهُ الزَّجَّاجُ عَلَى الْمَعْنَى فَقَالَ: وَمَا كَانَتْ نَفْسٌ لِتَمُوتَ، فَجَعَلَ مَا كَانَ اسْمًا خَبَرًا، وَمَا كَانَ خَبَرًا اسْمًا، وَلَا يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِعْرَابَ، إِنَّمَا فَسَّرَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: اللَّامُ فِي: لِنَفْسٍ، لِلتَّبْيِينِ مُتَعَلِّقَةٌ بِكَانَ انْتَهَى. وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا إِنْ كانت تَامَّةً. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَمَا كَانَ الْمَوْتُ لِنَفْسٍ وأن تَمُوتَ، تَبْيِينٌ لِلْمَحْذُوفِ مَرْغُوبٌ عَنْهُ، لِأَنَّ اسْمَ كَانَ إِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً أَوِ الْفَاعِلَ إِنْ كَانَتْ تَامَّةً لَا يَجُوزُ حَذْفُهُ، وَلِمَا فِي حَذْفِهِ أَنْ لَوْ جَازَ مِنْ حَذْفِ الْمَصْدَرِ وَإِبْقَاءُ مَعْمُولِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ.
كِتاباً مُؤَجَّلًا أَيْ لَهُ أَجَلٌ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ. وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ بِالْأَجَلَيْنِ. وَالْكِتَابَةُ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الْقَضَاءِ، وَقِيلَ: مَكْتُوبًا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مُبَيَّنًا فِيهِ.
وَيَحْتَمِلُ هَذَا الْكَلَامُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِقَوْلِهِمْ: لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا. وَانْتِصَابُ كِتَابًا عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ وَالتَّقْدِيرُ: كَتَبَ اللَّهُ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَنَظِيرُهُ:
كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ صُنْعَ اللَّهِ ووَعْدَ اللَّهِ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، أَيِ الزمور وَآمِنُوا بِالْقَدَرِ وَهَذَا بِعِيدٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: كِتَابًا نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَهَذَا لَا يَظْهَرُ فَإِنَّ التَّمْيِيزَ كَمَا قَسَّمَهُ النُّحَاةُ يَنْقَسِمُ إِلَى مَنْقُولٍ وَغَيْرِ مَنْقُولٍ، وَأَقْسَامُهُ فِي النَّوْعَيْنِ مَحْصُورَةٌ، وَلَيْسَ هَذَا وَاحِدًا مِنْهَا.
وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها هَذَا تَعْرِيضٌ بِالَّذِينِ رَغِبُوا فِي الْغَنَائِمِ يَوْمَ أُحُدٍ وَاشْتَغَلُوا بِهَا، وَالَّذِينَ ثَبَتُوا عَلَى الْقِتَالِ فِيهِ وَلَمْ يشغلهم
(١) سورة النساء: ٤/ ٩٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute