للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ «١» ، عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى «٢» ، جَنَّاتِ عَدْنٍ «٣» .

وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا، وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ»

وَهَذَا الَّذِي أَوْرَدَهُ هَذَا الْمُفَسِّرُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أَكْثَرُ مِمَّا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْجَنَّةُ اسْمٌ لِدَارِ الثَّوَابِ كُلِّهَا، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جِنَانٍ كَثِيرَةٍ مَرَتَّبَةٍ مَرَاتِبَ عَلَى حَسَبِ اسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِينَ، لِكُلِّ طَبَقَةٍ مِنْهُمْ جَنَّةٌ مِنْ تِلْكَ الْجِنَانِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ دَسَّ فِيهِ مَذْهَبَهُ الِاعْتِزَالِيَّ بِقَوْلِهِ: عَلَى حَسَبِ اسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِينَ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ الْجَنَّةِ مُفْرَدَةً وَمَجْمُوعَةً، فَإِذَا كَانَتْ مُفْرَدَةً فَالْمُرَادُ الْجِنْسُ، وَاللَّامُ فِي لَهُمْ لِلِاخْتِصَاصِ، وَتَقْدِيمُ الْخَبَرِ هُنَا آكَدُ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ لِقُرْبِ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا، فَهُوَ أَسَرُّ لِلسَّامِعِ، وَالشَّائِعُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الِاسْمُ نَكِرَةً تَعَيَّنَ تقديمه أإِنَّ لَنا لَأَجْراً «٤» ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْآيَةِ الْمُوَافَاةَ عَلَى الْإِيمَانِ فَإِنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُهُ، وَذَلِكَ مَفْهُومٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ.

وَأَمَّا الزَّمَخْشَرِيُّ فَجَرَى عَلَى مَذْهَبِهِ الِاعْتِزَالِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ، أَنْ لَا يُحْبِطَهُمَا الْمُكَلَّفُ بِالْكُفْرِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى الْكَبَائِرِ، وَأَنْ لَا يَنْدَمَ عَلَى مَا أَوْجَدَهُ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَةِ وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، وَزَعَمَ أَنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ كَالدَّاخِلِ تَحْتَ الذِّكْرِ.

وَقَدْ عُلِمَ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ مَنْ وَافَى عَلَى الْإِيمَانِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ مُرْتَكِبًا كَبِيرَةً أَمْ غَيْرَ مُرْتَكِبٍ، تَائِبًا أَوْ غَيْرَ تَائِبٍ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ مِنْ زَائِدَةٌ وَالتَّقْدِيرُ تَجْرِي تَحْتَهَا، أَوْ بِمَعْنَى فِي، أَيْ فِي تَحْتِهَا، فَغَيْرُ جَارٍ عَلَى مَأْلُوفِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، بَلْ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَجْرِي، وَهِيَ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ. وَإِذَا فَسَّرْنَا الْجَنَّاتِ بِأَنَّهَا الْأَشْجَارُ الْمُلْتَفَّةُ ذَوَاتُ الظِّلِّ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى حَذْفٍ. وَإِذَا فَسَّرْنَاهَا بِالْأَرْضِ ذَاتِ الْأَشْجَارِ، احْتَاجَ، إِذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا أَوْ غُرَفِهَا وَمَنَازِلِهَا. وَقِيلَ: عَبَّرَ بِتَحْتِهَا عَنْ أَسَافِلِهَا وَأُصُولِهَا.

وَقِيلَ: الْمَعْنَى فِي تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا: أَيْ بِأَمْرِ سُكَّانِهَا وَاخْتِيَارِهِمْ، فَعَبَّرَ بِتَحْتِهَا عَنْ قَهْرِهِمْ لَهَا وَجَرَيَانِهَا عَلَى حُكْمِهِمْ، كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى، حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي «٥» ، أَيْ بِأَمْرِي وَقَهْرِي. وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُنَاسِبُ إِلَّا لَوْ كَانَتِ التِّلَاوَةُ: أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ، فَيَكُونُ نَظِيرَ مِنْ تَحْتِي إِذَا جُعِلَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ من


(١) سورة الرحمن: ٥٥/ ٦٢.
(٢) سورة النجم: ٥٣/ ١٥.
(٣) سورة التوبة: ٩/ ٧٢. [.....]
(٤) سورة الشعراء: ٢٦/ ٤١.
(٥) سورة الزخرف: ٤٣/ ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>