للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تَتَعَلَّقُ الْكَافُ بِشَيْءٍ، وَصَارَ مَعْنَى كَأَيِّنْ مَعْنَى كَمْ، فَلَا تَدُلُّ عَلَى التَّشْبِيهِ أَلْبَتَّةَ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: أَمَّا الْعَامِلُ فِي الْكَافِ فَإِنْ حَمَلْنَاهَا عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى: إِصَابَتْكُمْ كَإِصَابَةِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَأَصْحَابِهِمْ. وَإِنْ حَمَلْنَا الْحُكْمَ عَلَى الِانْتِقَالِ إِلَى مَعْنَى كَمْ، كَانَ الْعَامِلُ بِتَقْدِيرِ الِابْتِدَاءِ، وَكَانَتْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ وقتل الْخَبَرُ.

وَمِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ، وَالتَّقْدِيرُ الْأَوَّلُ أَوْضَحُ لِحَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى بِمَا يَجِبُ مِنَ الْخَفْضِ فِي أَيٍّ. وَإِذَا كَانَتْ أَيٍّ عَلَى بَابِهَا مِنْ مُعَامَلَةِ اللَّفْظِ، فمن مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْكَافُ مِنَ الْمَعْنَى الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ كَلَامٌ فِيهِ غَرَابَةٌ. وَجَرَّهُمْ إِلَى التَّخْلِيطِ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ ادِّعَاؤُهُمْ بِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ: كَافِ التَّشْبِيهِ، وَأَنَّ أَصْلَهَا أَيٌّ: فَجُرَّتْ بِكَافِ التَّشْبِيهِ. وَهِيَ دَعْوَى لَا يَقُومُ عَلَى صِحَّتِهَا دَلِيلٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا رَأْيَنَا فِيهَا أَنَّهَا بَسِيطَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكُونِ، وَالنُّونُ مِنْ أَصْلِ الْكَلِمَةِ وَلَيْسَ بِتَنْوِينٍ، وَحُمِلَتْ فِي الْبِنَاءِ عَلَى نَظِيرَتِهَا كَمْ.

وَإِلَى أَنَّ الْفِعْلَ مُسْنَدٌ إِلَى الضَّمِيرِ.

ذَهَبَ الطَّبَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَرَجَّحَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقِصَّةَ هِيَ سَبَبُ غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَتَخَاذُلِ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ قُتِلَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضُرِبَ الْمَثَلُ بِنَبِيٍّ قُتِلَ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّرْجِيحَ قَوْلُهُ: أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ «١» النَّبِيُّ يُقْتَلُ، فَكَيْفَ لَا يُخَانُ؟ وَإِذَا أُسْنِدَ لِغَيْرِ النَّبِيِّ كَانَ الْمَعْنَى تَثْبِيتُ الْمُؤْمِنِينَ لِفَقْدِ مَنْ فُقِدَ مِنْهُمْ فَقَطْ. وَإِلَى أَنَّ الْفِعْلَ مُسْنَدٌ إِلَى الرِّبِّيِّينَ ذَهَبَ الْحَسَنُ وَجَمَاعَةٌ. قَالَ هُوَ وَابْنُ جُبَيْرَ: لَمْ يُقْتَلْ نَبِيٌّ فِي حَرْبٍ قَطُّ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ قَاتَلَ أَعَمُّ فِي الْمَدْحِ، لِأَنَّهُ يُدْخِلُ فِيهَا مَنْ قُتِلَ وَمَنْ بَقِيَ. وَيَحْسُنُ عِنْدِي عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ إِسْنَادُ الْفِعْلِ إِلَى الرِّبِّيِّينَ، وَعَلَى قِرَاءَةِ قُتِلَ إِسْنَادُهُ إِلَى نَبِيٍّ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَنَقُولُ: قُتِلَ: يَظْهَرُ أَنَّهَا مَدْحٌ، وَهِيَ أَبْلَغُ فِي مَقْصُودِ الْخِطَابِ، لِأَنَّهَا نَصٌّ فِي وُقُوعِ الْقَتْلِ، وَيَسْتَلْزِمُ الْمُقَاتَلَةَ. وَقَاتَلَ: لَا تَدُّلُ عَلَى الْقَتْلِ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ وُجُودُ الْقَتْلِ. قَدْ تَكُونُ مُقَاتَلَةً وَلَا يَقَعُ قَتْلٌ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يَحْسُنُ عِنْدَهُ مَا ذُكِرَ لَا يَظْهَرُ حُسْنُهُ، بَلِ الْقِرَاءَتَانِ تَحْتَمِلَانِ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي: فِي قِرَاءَةِ قَتَادَةَ لَا يَحْسُنُ أَنْ يَسْتَنِدَ الْفِعْلُ إِلَى الرِّبِّيِّينَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّكْثِيرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي قَتْلِ شَخْصٍ وَاحِدٍ. فَإِنْ قِيلَ: يَسْتَنِدُ إِلَى نَبِيٍّ مُرَاعَاةً لِمَعْنَى كَأَيِّنْ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ اللَّفْظَ قَدْ مَشَى عَلَى جِهَةِ الْإِفْرَادِ فِي قَوْلِهِ: مِنْ نَبِيٍّ، وَدَلَّ الضَّمِيرُ الْمُفْرَدُ فِي مَعَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إِنَّمَا هُوَ التَّمْثِيلُ بِوَاحِدٍ وَاحِدٍ، فَخَرَجَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى كَأَيِّنْ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تُقَوِّي


(١) سورة آل عمران: ٣/ ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>