تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعٌ وَقَوْلُهُ:
أَخَافَ زِيَادًا أَنْ يَكُونَ عَطَاؤُهُ ... أَدَاهِمَ سُودًا أَوْ مُحَدْرَجَةً سُمْرَا
جَعَلَ الْقُيُودَ وَالسِّيَاطَ عَطَاءً، وَمُحَدْرَجَةٌ بِمَعْنَى مُدَحْرَجَةٍ. وَالْبَاءُ فِي بِغَمٍّ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَوْ لِلسَّبَبِ. فَإِنْ كَانَتْ لِلْمُصَاحَبَةِ وَهِيَ الَّتِي عَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْهَا بِمَعْنَى: مَعَ.
وَالْمَعْنَى: غَمًّا مُصَاحِبًا لِغَمٍّ، فَيَكُونُ الْغَمَّانِ إِذْ ذَاكَ لَهُمْ. فَالْأَوَّلُ: هُوَ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْهَزِيمَةِ وَالْقَتْلِ. وَالثَّانِي: إِشْرَافُ خَالِدٍ بِخَيْلِ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ، قَالَهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُقَاتِلٌ. وَقِيلَ: الْغَمُّ الْأَوَّلُ سَبَبُهُ فِرَارُهُمُ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي سَبَبُهُ فِرَارُهُمْ حِينَ سَمِعُوا أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ قَالَهُ: مُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: الْأَوَّلُ مَا فَاتَهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَأَصَابَهُمْ مِنَ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ. وَالثَّانِي حِينَ سَمِعُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ، قَالَهُ: قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ. وَقِيلَ: عَكْسُ هَذَا التَّرْتِيبِ، وَعَزَاهُ ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ. وَقِيلَ: الْأَوَّلُ مَا فَاتَهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَتْحِ.
وَالثَّانِي: إِشْرَافُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَيْهِمْ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَقِيلَ: الْأَوَّلُ هُوَ قَتْلُهُمْ وَجِرَاحُهُمْ وَكُلُّ مَا جَرَى فِي ذَلِكَ الْمَأْزِقِ. وَالثَّانِي: إِشْرَافُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ، قَالَهُ:
السُّدِّيُّ وَمُجَاهِدٌ أَيْضًا وَغَيْرُهُمَا. وَعَبَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْغَمَّيْنِ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: غَمًّا بَعْدَ غَمٍّ، وَغَمًّا مُتَّصِلًا بِغَمٍّ مِنَ الِاغْتِمَامِ بِمَا أُرْجِفَ بِهِ مِنْ قَتْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْجُرْحِ، وَالْقَتْلِ، وَظَفَرِ الْمُشْرِكِينَ، وَفَوْتِ الْغَنِيمَةِ، وَالنَّصْرِ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَوْلُهُ: غَمًّا بَعْدَ غَمٍّ تَفْسِيرٌ لِلْمَعْنَى، لَا تَفْسِيرُ إِعْرَابٍ. لِأَنَّ الْبَاءَ لَا تَكُونُ بِمَعْنَى بَعْدَ. وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ. وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمَعْنَى غَمًّا عَلَى غَمٍّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَفْسِيرِ الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَتِ الْبَاءُ لِلسَّبَبِ وَهِيَ الَّتِي عَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْهَا أَنَّهَا بِمَعْنَى الْجَزَاءِ، فَيَكُونُ الْغَمُّ الْأَوَّلُ لِلصَّحَابَةِ. وَالثَّانِي قَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ:
مُتَعَلِّقُهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَالْمَعْنَى: أَثَابَكُمْ غَمًّا بِالْغَمِّ الَّذِي أُوقِعَ عَلَى أَيْدِيكُمْ بِالْكُفَّارِ يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَالْبَاءُ عَلَى هَذَا بَاءُ مُعَادِلَةٍ، كَمَا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ بَدْرٍ: وَالْحَرْبُ سِجَالٌ.
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الزَّجَّاجُ، وَتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: مُتَعَلِّقُهُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَعْنَى: جَازَاكُمْ غَمًّا بِسَبَبِ الْغَمِّ الَّذِي أَدْخَلْتُمُوهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ بِفَشَلِكُمْ وَتَنَازُعِكُمْ وَعِصْيَانِكُمْ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي: فَأَثَابَكُمْ لِلرَّسُولِ، أَيْ فَآسَاكُمْ فِي الِاغْتِمَامِ، وَكَمَا غَمَّكُمْ مَا نَزَلْ بِهِ مِنْ كَسْرِ الرَّبَاعِيَةِ وَالشَّجَّةِ وَغَيْرِهِمَا غَمَّهُ مَا نَزَلْ بِكُمْ، فأثابكم غما اغْتَمَّهُ لِأَجْلِكُمْ بِسَبَبِ غَمٍّ اغتممتموه لأجله، ولم يثربكم عَلَى عِصْيَانِكُمْ وَمُخَالَفَتِكُمْ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute