للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَبْرَكُمْ، وَلِيُمَحِّصَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ إِنْ تُبْتُمْ وَأَخْلَصْتُمْ. وَقِيلَ: لِيُعَامِلَكُمْ مُعَامَلَةَ الْمُخْتَبَرِ.

وَقِيلَ: لِيَقَعَ مِنْكُمْ مُشَاهَدَةُ عِلْمِهِ غَيْبًا كَقَوْلِهِ: فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ «١» . وَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. أَيْ: وَلِيَبْتَلِيَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ مَا فِي صُدُورِكُمْ، فَأَضَافَهُ إِلَيْهِ تَعَالَى تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ.

وَالْوَاوُ قِيلَ: زَائِدَةٌ. وَقِيلَ: لِلْعَطْفِ عَلَى عِلَّةٍ مَحْذُوفَةٍ، أَيْ: لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرَهُ وَلِيَبْتَلِيَ. وَقَالَ ابْنُ بَحْرٍ: عَطْفٌ عَلَى لِيَبْتَلِيَكُمْ، لَمَّا طَالَ الْكَلَامُ أَعَادَهُ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ لِيُمَحِّصَ. وَقِيلَ:

تَتَعَلَّقُ اللَّامُ بِفِعْلٍ مُتَأَخِّرٍ، التَّقْدِيرُ: وَلِيَبْتَلِيَ وَلِيُمَحِّصَ فِعْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ. وَكَانَ مُتَعَلِّقُ الِابْتِلَاءِ مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ الصُّدُورُ وَهِيَ الْقُلُوبُ كَمَا قَالَ: وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ «٢» وَمُتَعَلِّقُ التَّمْحِيصِ وَهُوَ التَّصْفِيَةُ وَالتَّطْهِيرُ مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ الْقُلُوبُ مِنَ النِّيَّاتِ وَالْعَقَائِدِ.

وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَجَاءَ بِهَا عَقِيبَ قَوْلِهِ:

وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ عَلَى مَعْنَى: أَنَّهُ عَلِيمٌ بِمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ الصُّدُورُ، وَمَا أَضْمَرَتْهُ مِنَ الْعَقَائِدِ، فَهُوَ يُمَحِّصُ مِنْهَا مَا أَرَادَ تَمْحِيصَهُ.

إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا خَطَبَ عُمَرُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ فَقَرَأَ آلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ إِذَا خَطَبَ أَنْ يَقْرَأَهَا، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ فَهُزِمْنَا مَرَرْتُ حَتَّى صَعِدْتُ الْجَبَلَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنْزُو كَأَنَّنِي أَرَوَى، وَالنَّاسُ يَقُولُونَ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ، فَقُلْتُ: لَا أَجِدُ أَحَدًا يَقُولُ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ إِلَّا قَتَلْتُهُ، حَتَّى اجْتَمَعْنَا عَلَى الْجَبَلِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كُلُّهَا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِيمَنْ فَرَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِرَارًا كَثِيرًا مِنْهُمْ: رَافِعُ بْنُ الْمُعَلَّى، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ، وَرَجُلٌ آخَرُ.

وَالَّذِينَ تَوَلَّوْا: كُلُّ مَنْ وَلَّى الدُّبُرَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَهُ: عُمَرُ، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ. أَوْ كُلُّ مَنْ قَرُبَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَقْتَ الْهَزِيمَةِ قَالَهُ السُّدِّيُّ. أَوْ رِجَالٌ بِأَعْيَانِهِمْ قَالَهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْهُمْ: عَتَبَةُ بْنُ عُثْمَانَ الزُّرَقِيُّ، وَأَخُوهُ سَعْدٌ وَغَيْرُهُمَا،

بَلَغُوا الْجَلْعِبَ جَبَلًا بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ مِمَّا يَلِي الْأَعْوَصَ فَأَقَامُوا بِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ: «لَقَدْ ذَهَبْتُمْ فِيهَا عَرِيضَةً» وَلَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا أَبُو بَكْرٍ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَبَاقِيهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ منهم: أبو


(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٢٩.
(٢) سورة الحج: ٢٢/ ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>