الْمَعْنَى: مِنْ مُعَمَّرٍ آخَرَ وَنِصْفُ دِرْهَمٍ آخَرَ، وَنِصْفُ حَمَامٍ آخَرَ، فَعَادَ الضَّمِيرُ عَلَى دِرْهَمٍ وَالْحَمَامِ لَفْظًا لَا مَعْنًى. كَذَلِكَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: لَوْ كَانُوا، يَعُودُ عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَفْظًا وَالْمَعْنَى: لَوْ كَانَ إِخْوَانُنَا الْآخَرُونَ. وَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ: وَقَالُوا مَخَافَةَ هَلَاكِ إِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى: لَوْ كَانَ إِخْوَانُنَا الْآخَرُونَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ مَوْتُهُمْ وَقَتْلُهُمْ عِنْدَنَا- أَيْ مُقِيمِينَ- لَمْ يُسَافِرُوا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا، فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَقَالَةُ تَثْبِيطًا لِإِخْوَانِهِمُ الْبَاقِينَ عَنِ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَعَنِ الْغَزْوِ، وَإِيهَامًا لَهُمْ أَنْ يُصِيبَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ إِخْوَانِهِمُ الْآخَرِينَ الَّذِينَ سَبَقَ مَوْتُهُمْ وَقَتْلُهُمْ بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالْغَزْوِ، وَيَكُونُ الْعَامِلُ فِي إِذَا هَلَاكٌ وَهُوَ مَصْدَرٌ يَنْحَلُّ بِأَنْ وَالْمُضَارِعِ، أَيْ مَخَافَةَ أَنْ يَهْلَكَ إِخْوَانُهُمُ الْبَاقُونَ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ، أَوْ كَانُوا غُزًّا. وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْمَعْنَى إِذْ عَرَضُوا لِلْأَحْيَاءِ بِالْإِقَامَةِ لِئَلَّا يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَ مَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ. قَالُوا: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَقَالُوا فِي مَعْنَى. وَيَقُولُونَ: وَتَعْمَلُ فِي إِذَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِذَا بِمَعْنَى إِذْ فَيَبْقَى، وَقَالُوا عَلَى مُضِيِّهِ. وَفِي الْكَلَامِ إِذْ ذَاكَ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ فَمَاتُوا، أَوْ كَانُوا غُزًّا فَقُتِلُوا. وَمَا أَجْهَلُ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ لَوْلَا الضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ وَالْغَزْوُ وَتَرْكُ الْقُعُودِ فِي الْوَطَنِ لَمَا مَاتَ الْمُسَافِرُ وَلَا الْغَازِي، وَأَيْنَ عَقْلُ هَؤُلَاءِ مِنْ عَقْلِ أَبِي ذُؤَيْبٍ عَلَى جَاهِلِيَّتِهِ حَيْثُ يَقُولُ:
يَقُولُونَ لِي: لَوْ كَانَ بِالرَّمْلِ لَمْ يمت ... نسيبة وَالطُّرَّاقِ يَكْذِبُ قِيلُهَا
وَلَوْ أَنَّنِي اسْتَوْدَعْتُهُ الشَّمْسَ لَارْتَقَتْ ... إِلَيْهِ الْمَنَايَا عَيْنُهَا، وَرَسُولُهَا
قَالَ الرَّازِيُّ: وَذَكَرَ الْغَزْوَ بَعْدَ الضَّرْبِ، لِأَنَّ مِنَ الْغَزْوِ مَا لَا يَكُونُ ضَرْبًا، لِأَنَّ الضَّرْبَ الْإِبْعَادُ، وَالْجِهَادُ قَدْ يَكُونُ قَرِيبَ الْمَسَافَةِ، فَلِذَلِكَ أَفْرَدَ الْغَزْوَ عَنِ الضَّرْبِ انْتَهَى. يَعْنِي: أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا فَتَغَايَرَا، فَصَحَّ إِفْرَادُهُ، إِذْ لَمْ يَنْدَرِجْ مِنْ جِهَةٍ تَحْتَهُ. وَقِيلَ: لَا يُفْهَمُ الْغَزْوُ مِنَ الضَّرْبِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ لِكَثْرَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ «١» .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ غزا بِتَشْدِيدِ الزَّايِ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ بِتَخْفِيفِ الزَّايِ. وَوَجْهٌ عَلَى حَذْفِ أَحَدِ الْمُضَعَّفَيْنِ تَخْفِيفًا، وَعَلَى حَذْفِ التَّاءِ، وَالْمُرَادُ: غُزَاةٌ. وَقَالَ بَعْضُ مَنْ وَجَّهَ عَلَى أَنَّهُ حَذْفُ التَّاءِ وَهُوَ: ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: وَهَذَا الْحَذْفُ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ يَمْدَحُ الْكِسَائِيَّ:
(١) سورة المزمل: ٧٣/ ٢٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute